وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

هل سنجد إجابة في «دافوس الصحراء»؟!

استمع إلى المقالة

كلها أيام وينطلق مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار في الرياض، الذي اكتسب اسم دافوس الصحراء.

هذه هي النسخة السابعة للمؤتمر الذي يبدأ من يوم 24 وحتى 26 أكتوبر (تشرين الأول)، والذي يعقد هذه السنة في ظروف صعبة تمر بها المنطقة العربية.

ومن المهم أن نسمع آراء كل المستثمرين الذين سيتدفقون إلى الرياض من كل مكان لحضور المؤتمر ولبحث فرص جديدة مع صندوق الاستثمارات العامة، حول ما يجري في المنطقة، وما نظرتهم حول مستقبل الاستثمار بها وسط كل ما يحدث.

لا أتصور أننا سنجد إجابات لما يجري على صعيد السياسة والحروب في «دافوس الصحراء»، ولكن هناك أسئلة أخرى تحتاج إلى إجابات من كبار مديري الصناديق في العالم مثل «بلاك روك» و«بلاك ستون» و«فيديلتي» وغيرهم، وكذلك من كبار المصارف الاستثمارية مثل «مورغان ستانلي» و«جي بي مورغان» و«غولدمان ساكس».

أين سيستثمر كل هؤلاء الأموال التي يديرونها وكيف سيستثمرونها؟! متى سنشهد أزمة مالية عالمية لأن العالم لا يستطيع العيش من دون أزمات؟!

هل ما زالت الاستثمارات مرغوبة ومجدية في مشروعات تهتم بالمعايير الاجتماعية والبيئية والحوكمة، أو أن العالم استيقظ على واقع أنها كانت موجة بالغنا فيها، خاصة بعد أن تمت مقاضاة دويتشه بنك لعدم وجود معايير كافية في استثماراتهم في هذا المجال؟!

أين هي هذه الاستثمارات المرتبطة بمعايير البيئة والمجتمع والحوكمة اليوم، وما مدى اهتمام المستثمرين بها؟!

هل العالم يتجه إلى استثمارات حقيقية أو أن الصناديق أصبحت مهتمة بالوسائل الآلية والإلكترونية، وعما قريب سنصبح كلنا نعتمد على الذكاء الاصطناعي بدلاً من الذكاء البشري لإدارة أصولنا واستثماراتنا؟!

إن ما جعلني أفكر في كل هذه الأسئلة البيانات التي نشاهدها والتي تعكس تغيراً كبيراً فيما يجري حولنا.

أولاً، هناك زيادة كبيرة في حجم الاستثمارات في المنتجات المرتبطة بالمؤشرات، ومن بينها الصناديق المرتبطة بالمؤشرات. هذه المنتجات المالية انتشارها يعني أن مديري الصناديق ليسوا بحاجة لمتابعة أسهم بحد ذاتها أو التواصل مع الشركات ومعرفة المزيد عنها قبل الدخول فيها.

هذا النوع من الاستثمارات كله إلكتروني لا حاجة للتدخل البشري فيه ولا لتلك الاجتماعات وجهاً لوجه مع أحد. الصندوق مرتبط بمؤشر للأسهم أو للسلع ويتحرك مع حركة المؤشر.

كم هو حجم الزيادة؟! هناك العديد من الأرقام في أماكن مختلفة، ولكن إحدى الدراسات التي وقعت عليها ومبنية على بيانات من مصادر مختلفة من بينها بلومبرغ وطومسون رويترز، تظهر أن حجم الأصول للصناديق المرتبطة بالمؤشرات عالمياً ارتفع من 800 مليار دولار في 2007 عند أزمة الرهن العقاري الشهيرة، ليصل إلى 10 تريليونات دولار اليوم.

هذا تغيير نحتاج إلى الوقوف عنده، لأن استمراره في عصر الذكاء الاصطناعي معناه أننا قريباً خلال سنوات بسيطة سنتعامل مع روبوتات لإدارة أصولنا وليس مع ماليين ومديري صناديق.

ماذا عن الاستثمارات الجميلة المرتبطة بالبيئة والمجتمع والحوكمة التي جعل البعض منها خلاصا للبشرية من أطماع البشر وآفات الرأسمالية؟!

أولاً، أظهرت دراسة لشركة «بي دبليو سي» أن 87 في المائة من المستثمرين يعتقدون أن تقارير الاستدامة للشركات ليست سوى «غسيل أخضر» أي بالأصح كلام غير واقعي للظهور بمظهر صديق للاستدامة لا غير.

وأنا أتفق معهم، فالاستدامة ليست ثقافة أو دستورا نؤمن به بعد، بل هي محاولة من الجميع لمواكبة تغييرات العصر مع الإبقاء على سير الأعمال كما هو.

وبحسب تقرير من «مورنينغ ستار» فإن حجم الاستثمارات في الصناديق المرتبطة بالاستدامة في تراجع مستمر بصورة فصلية منذ الربع الأول من 2022 وحتى الربع الثاني من 2023، الذي شهدت فيه أدنى مستوى لها منذ جائحة كوفيد.

بعيداً عما يجري في العالم، أنا سعيد أننا في السعودية لم نصل لهذه المرحلة من النضج المالي، ولهذا ما زلنا سوقا تقليدية، نعتمد على العامل البشري، وسنكون كذلك الملاذ الأخير لكل مديري الصناديق في العالم الذين لم يتم استبدال الذكاء الاصطناعي بهم.

ولا أعرف لو كان «دافوس الصحراء» سيوفر الأجوبة هذا العام عن كل هذه الأسئلة، ولكن الذي أعرفه أن العالم يجب أن يفكر كثيراً في مستقبلنا مع هذه الأسئلة في الرياض أو في غيرها.