شهدت الدورة الحالية (الدورة 78) للجمعية العامة للأمم المتحدة دعوة من طرف الكثير من رؤساء الوفود المشاركة، ومن اتجاهات وأقاليم مختلفة للعمل على تطوير، وبشكل خاص توسيع عضوية مجلس الأمن ليعكس الواقع الدولي الجديد: نظام ما بعد «بعد الحرب الباردة» الذي هو في طور التشكيل، وهو نظام يشهد صعود قوى دولية وإقليمية جديدة، وتبلوُر أطر تعاون دولي جديدة أو مجددة تعكس عملية توزيع القوى على المستوى الدولي إلى جانب التغير الحاصل في أنماط الصراعات، وبروز تحالفات وخلافات «بالقطعة». ذلك كله يستدعي إصلاح مجلس الأمن (توسيع التمثيل والنظر في آليات صنع القرار)، وهذا ليس بالأمر السهل، ولكنه ضروري من أجل تعزيز فاعلية دوره، وهو دور متراجع مقارنة بالمخاطر والتحديات القائمة والمقبلة.
وللتذكير، فإن المرة الوحيدة منذ إنشاء الأمم المتحدة التي جرى فيها توسيع مجلس الأمن كانت في عام 1965 (من 11 إلى 15) في خضم فترة ولادة سريعة وكبيرة لدول مستقلة مع نهاية الاستعمار، وضغوطات دول عدم الانحياز بشكل خاص في اتجاه التوسيع دون المسّ بعدد الأعضاء الدائمين الخمسة أصحاب حق «النقض». وبنهاية الحرب الباردة مع سقوط الاتحاد السوفياتي دفعت الجمعية العامة للأمم المتحدة لإنشاء مجموعة عمل مفتوحة في نهاية عام 1992 للبحث في إصلاح مجلس الأمن (الذي يعني دائماً التوسيع أساساً مع إصلاحات أخرى).
في السياق نفسه، وللدلالة على الأهمية التي صارت تكتسبها مسألة إصلاح مجلس الأمن، انطلقت «مجموعة الأربع» المكونة من البرازيل، واليابان، والهند وألمانيا للعمل بغية توسيع مجلس الأمن، وحيازة هذه الدول العضوية الدائمة، على أن يضم التوسيع أيضاً أعضاءً آخرين دائمين، وكذلك غير دائمين، وصارت تنشط بعد ذلك في هذا الاتجاه. وقد دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2008 إلى مفاوضات بين الدول الأعضاء بشأن تحقيق التمثيل العادل من خلال زيادة أعضاء المجلس. مجموعة أخرى من الدول حملت اسم الاتحاد من أجل التوافق، ضمت قوى إقليمية أساسية، في سياق منافس لدول مجموعة الأربع، دعت إلى زيادة الأعضاء غير الدائمين من 10 إلى 15. كما أن الاتحاد الأفريقي الذي يمثل أكبر مجموعة إقليمية دعا إلى منحه مقعدين دائمين وثلاثة أخرى غير دائمة في إطار التوسيع الذي يفترض تحقيقه لمجلس الأمن. وهناك قوى غربية طرحت إنشاء مقاعد غير دائمًة، ولكن لفترة أطول في الزمن من الفترة القائمة حالياً، وطرح آخرون فكرة إنشاء مقاعد دائمة، لكن دون إعطاء أصحابها حق النقض (الفيتو).
أفكار ومقترحات كثيرة على طاولة النقاش، كلها تندرج تحت عنوان قوامه ضرورة إصلاح مجلس الأمن لجعله أكثر تمثيلاً للنظام الدولي الجديد؛ ما يعزز شرعية دوره بوصفه المسؤول الأول عن الأمن والسلم الدوليين، وبالتالي فاعلية هذا الدور الأكثر من ضروري في عالم تتشابك وتتداخل فيه الخلافات والنزاعات التي تهدد الأمن الإقليمي في حالات معينة، والأمن الدولي في حالات كثيرة بسبب الترابط والتداخل ولو بدرجات مختلفة بين هذه النزاعات والخلافات.
خلاصة الأمر هي أن الجميع على المستوى الدولي يعتقد ضرورة إصلاح مجلس الأمن، ولكن يختلف في مضامين وأشكال هذا الإصلاح المطلوب... وهو اختلاف يحمل عناوين متعددة كما أشرنا سابقاً، منها ضم أعضاء جدد ومنحهم حق النقض، فهل يحدث توسيع ما يسميه أو يصفه البعض بالسلطة الدولية الفعلية (مجموعة حق النقض)؟ وما الشروط؟ وما كيفية الاتفاق عليها في ما يتعلق بالانضمام إلى هذا «النادي»؟ النادي الذي يوفر لأعضائه ليس فقط الاعتراف بموقعهم المميز على الصعيد الدولي، بل يمدهم أيضاً بقدرة تأثير كبيرة في ما يتعلق بأمهات القضايا الساخنة والاستراتيجية التي يتناولها مجلس الأمن. هل يكون التوسيع فقط من خلال زيادة في عدد الدول التي لا تملك حق النقض، والبعض يقترح تسوية قوامها خلق مقاعد دائمة لدول دون إعطائها حق النقض؟ هل يتم الاتفاق في إطار الإصلاح المطلوب لمجلس الأمن على تحديد شروط ومعايير استعمال حق النقض بغية تنظيم هذا الحق وتقييد إمكانية استعماله؟ ثم أخيراً، وليس آخراً، تظل من المسائل الخلافية مسألة ما إذا حدث الاتفاق على التوسيع في العضوية الدائمة سواء ما يتعلق بحق النقض أو دون هذا الحق كما أشرنا سابقاً، وهذا يتعلق بتحديد من الذي سيمثل كل إقليم في هذا الإطار، ما يبقى موضوعاً خلافياً بين القوى الرئيسية في الإقليم، أو موضوعاً تنافسياً بين القوى المرشحة لهذا الموقع؛ إذ يعزز من وضعها ومكانتها ودورها في الإقليم أمام القوى الإقليمية الأخرى المنافسة لها، والطامعة للدخول إلى هذا «النادي».
خلاصة الأمر هي أنه لا يوازي الحماس والتطلع لإصلاح مجلس الأمن وتوسيعه إلا التنافس القائم والمقبل بين المرشحين المحتملين لآي فئة انتموا، ما يجعل عملية الإصلاح وضرورة إنجازها عملية ليست بالسهلة ودونها الكثير من العوائق، رغم ضرورة إنجاز هذا الإصلاح أياً كانت طبيعته، وذلك خدمة للسلم والأمن الدوليين.