زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

الربذة... قصة مدينة!

استمع إلى المقالة

بدأت أعمال الحفائر التي يشرف عليها الدكتور سعد بن عبد العزيز الراشد باختيار ثلاثة مواقع في البداية بمدينة الربذة الأثرية بالمملكة العربية السعودية، التي تقع على طريق الحج القديم، الذي يربط مكة والمدينة المنورة بالعراق وبلاد المشرق. تم اختيار تل أثري كبير الحجم بموقع الربذة لإجراء الحفائر العلمية به، وقد تم الكشف عن بقايا المنشآت والعناصر المعمارية المتنوعة، التي بقيت من بنايات مختلفة مثل المساجد والمنازل والقصور المحاطة بأسوار وجدران سميكة مدعمة بأبراج دائرية ونصف دائرية من الخارج وعلى المداخل، أو مرافق الخدمات من خزانات مياه محفورة تحت أرضيات الغرف، وكذلك الأفران المخصصة للطبخ وخزائن الحبوب وقنوات المجاري، وغير ذلك من المرافق.

ويشير الدكتور سعد الراشد إلى أنه في أعمال التنقيبات الأثرية تم التركيز على تكوين رؤية للمنشآت المستقلة وترابطها مع المباني المجاورة، ولذلك ظهرت للأثريين صورة واضحة وجلية عن الطراز المعماري للربذة وعناصرها الهندسية والزخرفية وطبيعة المواد المستخدمة في البناء. ومن أهم ما عثر عليه بالموقع كان القصور والمنازل، التي تميزت في الربذة بأسلوب معماري وتصميم هندسي رباعي التخطيط متعامد مع القبلة. وبنيت أساسات الجدران فيها بحجارة غير مصقولة، وغير متساوية الأحجام، وترتفع تلك الأساسات عن مستوى الأرض إلى أقل من المتر. أما العناصر الداخلية للغرف والمرافق فيقل فيها سمك الأساسات للجدران. وعمل البنَّاءون على تقوية الأسوار والجدران الخارجية وتدعيمها بأبراج دائرية ونصف دائرية عند المدخل والزوايا الخارجية لكل مبنى.

وظهرت أنواع من جذوع الأشجار مثبتة على بعض الجدران والأسوار للحد من حدوث شروخ للجدران وبنيت الغرف الداخلية على شكل وحدات يجمعها فناء داخلي، وفيها مرافق الخدمات من أفران ومخازن. وتغطي الجدران طبقة جصية ناعمة. وعثر على بعض زخارف هندسية ورسوم ملونة. ومن أهم الاكتشافات الأثرية كان العثور على لوحة جصية ملونة عليها شريط كتاني يحمل جزءاً من البسملة وبداية آية الكرسي في سورة البقرة.

‏وتدل هذه العناصر الزخرفية على أن مباني الربذة على درجة من الثراء الفني والزخرفي. ويذكرنا هذا الثراء بالمنشآت المعمارية الإسلامية المبكرة في بلاد الشام والعراق، وقد أمكن تمييز عدد من القصور ومن أهم القصور أو المنازل مبني عبارة عن كتلة معمارية ذات تصميم مميز على شكل حدوتي فرس متداخلتين وغير متساويتين وتتكون جدران المبنى من سبعة أضلع مدعومة بسبعة أبراج ركنية، ومزود بالمرافق الخدمية. وكشفت أعمال التنقيب عن وجود إمدادات بنائية ترتبط بها وتتكون من وحدات سكنية ومرافق خدمات متعددة.

بقي أن نقول إن أسرار الربذة كواحدة من أقدم المدن الإسلامية بشبه الجزيرة العربية لم تنتهِ، ونحتاج إلى مجلد كبير يحكي قصة مدينة الربذة من العصر الجاهلي وفي عصر الإسلام المبكر وحتى العصر العباسي.