مها محمد الشريف
كاتبة سعودية مختصة بقضايا الشرق الأوسط والعالم، كتبت في العديد من الصحف الرسمية السعودية وصحيفة «الرؤية» الإماراتية، وتكتب بشكل دائم في صحيفتَي «الجزيرة» و«الشرق الأوسط». لها اهتمامات بالرسم والتصميم الاحترافي.
TT

طريق جدة لإنهاء الحرب المدمرة

استمع إلى المقالة

تعد الحرب الروسية - الأوكرانية أحد أبرز الأحداث في العالم، وألحقت هذه الحرب المستمرة حتى الآن خسائر كبيرة بالبلدين، لكنها ليست مجرد شأن إقليمي يدور بين بلدين متجاورين، بل امتد تأثيرها إلى معظم دول أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا لما لها من تداعيات اقتصادية كبيرة على هذه البلدان، بعد أن بات من الصعب إيقافها أو تغطية خسائرها مسببة أزمة اقتصادية كبيرة بسبب توقف صادرات روسيا وأوكرانيا من إمدادات الطاقة والوقود والمواد الغذائية.

بمنتهى الوضوح، إن العالم اليوم يواجه أكثر القضايا أهمية، الحرب النووية والدمار البيئي؛ لهذا السبب بات لزاماً مواجهة الواقع، ومن خلاله صنع القرارات وتغيير ما يلزم قبل فوات الأوان. وتأتي استضافة هذا الاجتماع استمراراً للمبادرات الإنسانية والجهود التي تبذلها المملكة العربية السعودية انطلاقاً من دورها ومكانتها العالمية كعضو مؤثر في «مجموعة العشرين» تقود قاطرة النمو بالمنطقة وتحافظ على استقرار أسواق الطاقة.

وتؤدي السعودية دوراً مهماً في الاقتصاد العالمي، بمبادراتها النوعية من أجل إنقاذ ومساعدة البشرية، من دون النظر إلى الدين أو اللون أو اللغة أو العرق، وحرصها على دعم حركة السلم، والمساهمة في نشر السلام الإقليمي والعالمي؛ وذلك من خلال جهود قائد مسيرة السلام خادم الحرمين الشريفين وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، واستضافة كثير من الفرقاء، وفي هذا الإطار أجرى ولي العهد «الاتصالات مع القيادتين الروسية والأوكرانية منذ الأيام الأولى للأزمة».

بالنظر إلى هذا الأمر، فهناك نقطة تحول في الصراع الروسي - الغربي، كون الدول المشاركة في الحرب وضعت الملفات على طاولة الحوار، ويبدو لي أن الملاحظات الآنفة الذكر ترسم المخطط الأولي لمقاربة جيدة للشخصيات الرئيسية لهذه الحرب، ويمضون قدماً في مساعيهم بهدف إيقافها والتخلص من وطأة العبء الذي أثقل كاهل العالم؛ أي عودة السلام والجهود الرامية لحماية المصالح العامة من شرور الصراعات.

عالم السياسة عالم واسع ولا بد من الإدراك الكامل الإدراك الكامل لحقيقة الأشياء وطبيعتها وأخذ القرارات السياسية على هذ الأساس، فكل سياسي يستلهم فكره وإدراكه ويتميز بما يملك من وسائل ومناهج أكثر فاعلية، وهذا يغذي القدرة على الانطلاق نحو الهدف.

وفي هذا السياق، نلاحظ كيف استطاعت السعودية أن تجمع أكثر من 40 دولة ومنظمة دولية لمناقشة ما يجب أن يفعل من أجل وقف الحرب في أوكرانيا، التي أصبحت لها تداعياتها على دول العالم كلها، فكان هذا التشاور الدولي بشأن تمهيد الطريق للسلام في أوكرانيا، في ختام اجتماع استضافته مدينة جدة، وأشارت «واس» إلى «اتفاق المشاركين على أهمية مواصلة التشاور الدولي وتبادل الآراء بما يسهم في بناء أرضية مشتركة تمهد الطريق للسلام، كما أعربوا عن أهمية الاستفادة من الآراء والمقترحات الإيجابية التي تم بحثها في الاجتماع».

هذا هو بالضبط ما عبر عنه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأن «صيغتنا للسلام المطروحة بجدة لقيت دعماً أكثر من الداعمين (بكوبنهاغن) ومشاورات السلام كانت مثمرة للغاية»، فقد اختتم رؤساء الوفود المشاركة اجتماعاتهم الرئيسية، في حين تواصلت اجتماعات فنية لممثلي الدول بغرض التنسيق والتعاون المقبل، وشكر البيت الأبيض السعودية على هذا المجهود معتبراً أنها كانت جيدة وبنّاءة نحو تحقيق سلام عادل.

أصبحت المملكة لاعباً رئيسياً دولياً يدعم الاستقرار والسلم الدولي من خلال ما تقوم به من سياسات لتقريب وجهات النظر بين القوى المتحاربة، روسيا وأوكرانيا، وهو امتداد لأدوار عديدة قامت بها في قضايا وملفات بالمنطقة مع دور بارز في دعم استقرار الاقتصاد العالمي؛ إذ كان لها دور مؤثر خلال تداعيات أزمة «كورونا» اقتصادياً، عندما كانت ترأس قمة «مجموعة العشرين» التي اعتمدت قرارات مهمة دعمت الدول الفقيرة، بالإضافة لما قامت به من مبادرات جمعت دول العالمين العربي والإسلامي مع أكبر الدول اقتصادياً، أميركا والصين، بقمم تهدف لدعم التعاون الدولي والاستقرار نحو دعم التنمية ونبذ الحروب واحترام سيادة الدول.