علي العميم
صحافي ومثقف سعودي بدأ عمله الصحافي في مجلة «اليمامة» السعودية، كتب في جريدة «الرياض» وكتب في جريدة «عكاظ» السعوديتين، ثم عمل محرراً ثقافياً في جريدة «الشرق الأوسط»، ومحرراً صحافياً في مجلة «المجلة» وكتب زاوية أسبوعية فيها. له عدة مؤلفات منها «العلمانية والممانعة الاسلامية: محاورات في النهضة والحداثة»، و«شيء من النقد، شيء من التاريخ: آراء في الحداثة والصحوة في الليبرالية واليسار»، و«عبد الله النفيسي: الرجل، الفكرة التقلبات: سيرة غير تبجيلية». له دراسة عنوانها «المستشرق ورجل المخابرات البريطاني ج. هيوارث – دن: صلة مريبة بالإخوان المسلمين وحسن البنا وسيد قطب»، نشرها مقدمة لترجمة كتاب «الاتجاهات الدينية والسياسية في مصر الحديثة» لجيميس هيوارث – دن مع التعليق عليه.
TT

عُنّة لغوية

استمع إلى المقالة

سلامة موسى كان قد قرأ خبر جريدة «المقطم» عن كتاب «حسان بن ثابت» حين نَشْره فيها، وبعد مضي سنوات على قراءته لهذا الخبر نسي فحواه، ونسي اسم صاحب الكتاب. ومع غزارة تأليف العقاد المستجد للكتب الإسلامية توهم أن له كتاباً عن حسان بن ثابت. وساعد على ذلك أنه كان يضيق بإسلاميات العقاد وسواه من الليبراليين، فيكتفي بمطالعة عناوينها من دون أن يكلف نفسه عناء قراءتها.

أذهب إلى هذا التفسير، لأن سلامة موسى في مواجهته لخصم شرس كالعقاد لن يختلق اسم كتاب من عندياته. ولنلحظ أنه في مصر في تلك الفترة الزمنية لم يخرج بعد كتاب تاريخي وأدبي عن حسان بن ثابت سوى كتاب محمد سيد كيلاني عنه الذي هو مفقود لأن الرقابة صادرت نسخه من المطبعة ثم أتلفتها.

شخصية كيلاني شخصية عجيبة وجسورة حد الطيش والنزق والتهور، إذ وهو ينتظر الحكم القضائي عليه، بسبب تأليفه كتابه الأول الذي حفل بزندقات دينية، يعكف على تأليف كتاب ثانٍ عن حسان بن ثابت، وببادرة حادة ومسارعة إلى الشر، يضمنه زندقات سياسية، أشدها انتهاكاً للدستور في الحقبة الملكية، العيب في الذات الملكية.

كتابه الأول مع أنه نسخة نادرة، لكن عرفنا من خلال هذه النسخة كيف أقحم معاصريه من المحامين الشرعيين ومن الأزاهرة في تاريخ حياة الشريف الرضي وعصره وشعره. ولأن كتابه الثاني صودرت نسخه من المطبعة، فيستحيل علينا أن نعرف كيف أقحم الملك فاروق وأحد أمراء البيت العلوي وشخصيات سياسية في تاريخ حياة حسان بن ثابت وفي موضوعات شعره، وفي عصريه: الجاهلي والإسلامي.

الخلاصة التي انتهى إليها صابر أحمد نايل بعد حديثه عن كتاب محمد سيد كيلاني الأول وعن قضيته القانونية، تتالت الأخطاء المعلوماتية في سطورها القليلة.

أولاً، منصور فهمي قدم رسالته للدكتوراه إلى جامعة السوربون، المعنونة بـ«حالة المرأة في التقاليد الإسلامية وتطوراتها: بحث تاريخي وسسيولوجي» عام 1913، وطبعت رسالته هذه في كتاب صادر من مكتبة «فيلكس الكان» العريقة في أوروبا كلها، وليس في فرنسا وحدها في العام نفسه. علي عبد الرازق صدر كتابه «الإسلام وأصول الحكم» عام 1925. طه حسين صدرت محاضراته الجامعية في كتاب عنوانه «في الشعر الجاهلي» عام 1926.

فكيف سيتاح لهؤلاء الثلاثة في أعمالهم هذه، أن يسيروا - حسب ما قال - كما سار كيلاني في كتابه «الشريف الرضي: عصره، تاريخ حياته، شعره» الصادر عام 1937؟!

ما هو مشهور إلى يومنا هذا أنه في مقدمة الاعتراضات الدينية على كتاب طه حسين في مجلس النواب في شهر سبتمبر(أيلول)، الاعتراض على ما قاله حسين في كتابه.

ما أجمله طه حسين في شكه فصّله كيلاني وزاد فيه حين حديثه عن نسب الشريف الرضي، معلناً اعتراضاً على قصة النبي إبراهيم وسارة مع ملك مصر لما ارتحلا إلى مصر، ومعلناً اعتراضات على قصة هجرة إبراهيم بزوجته هاجر، وابنهما إسماعيل إلى مكة، وافترض تفسيرات لها. فهاتان القصتان زعم أنهما أشبه بالأساطير منهما بالتاريخ الصحيح، وذلك من دون أن يذكر ما قاله طه حسين قبله، ومن دون أن يستند إلى شيء مما قاله.

ثانياً، كيف سيتاح لأمين الخولي أن يسير - حسب ما قال أيضاً - كما سار كيلاني في كتابه عن الشريف الرضي، في رسالة الدكتوراه «الفن القصصي في القرآن الكريم»، المقدمة لكلية الآداب بجامعة فؤاد عام 1947، لمناقشتها، كيف سيتاح له هذا، وهو كان المشرف عليها، وليس كاتبها؟!

نايل لا يجهل تاريخ تقديم منصور فهمي رسالته للدكتوراه وتاريخ طباعتها في كتاب، ولا يجهل تاريخ صدور كتاب علي عبد الرازق وكتاب طه حسين، ولا يجهل التاريخ المتأخر لصدور كتاب كيلاني عن كتب هؤلاء الثلاثة، وهو يعرف من هو كاتب رسالة «الفن القصصي في القرآن الكريم»، ويعرف من هو المشرف عليها، فكل هذه المعلومات ذكرها في الفصل الثاني (البحث العلمي والجامعة) من كتابه، حين تحدث عن هذه الكتب الأربعة، وعن كتاب «من هنا نبدأ» لخالد محمد خالد، الصادر عام 1950، وإنما لديه فكرة بسيطة كتبها بأسلوب يعاني من عُنّة لغوية، قلبت فيه هذه العُنّة اللغوية الزمن رأساً على عقب، وأحلّت الأستاذ المشرف على الرسالة، محل تلميذه كاتب الرسالة، محمد أحمد خلف الله.

ثالثاً، نعم، محمد سيد كيلاني في كتابه «فصول ممتعة»، الصادر عام 1959، أدان منصور فهمي على رسالته للدكتوراه، وأدان علي عبد الرازق في كتابه «الإسلام وأصول الحكم»، وأدان طه حسين في كتابه «في الشعر الجاهلي»، وأدان أمين الخولي على إشرافه على رسالة محمد أحمد خلف الله، وأدانه بوصفه الموجه لطالبه في رسالته، وأدانه على آراء له في اللغة العربية، وأفرد لكل واحد منهم عنواناً متكرراً مصحوباً باسمه وهو: «... بين الكفر والإيمان»، لكن غير صحيح أنه في ذلك الكتاب «أعلن تراجعه عن آرائه وطرائق بحثه». فهو لم يذكر شيئاً من هذا، أو يتعرض له ولو من بعيد.

إن ناشر الكتاب صلاح الدين البستاني، صاحب «دار العرب» بالقاهرة في كلمة الناشر مع إعجابه الكبير بالكتاب، أحس بالحرج، فاضطر أن يقول: «وقد أخالف مؤلف الكتاب الأستاذ محمد سيد كيلاني في أكثر من رأي. ولكن الإنسانية تقضي عليّ أن أحترم رأيه، فلكل حريته في التعبير عن آرائه بحيث لا تخالف العرف أو القانون. وما أنا في هذا المجال إلا كعابد لهذه الحرية في محراب الإنسانية الكبير».

وهذا تنصل لطيف من مسؤوليته الأدبية أمام منصور فهمي، وعلي عبد الرازق، وطه حسين، وأمين الخولي، الذين كتب عنهم كيلاني، كل على حدة تحت عنوان «بين الكفر والإيمان» ما يقرب من نصف صفحات الكتاب. وفي 1 يناير عام 1959، وهو تاريخ مقدمة الناشر، وتاريخ مقدمة المؤلف، كان كل هؤلاء أحياء، فمنصور فهمي مات بعد هذا التاريخ بشهرين وخمسة وعشرين يوماً. وللحديث بقية.