توفيق السيف
كاتب سعودي حاصل على الدكتوراه في علم السياسة. مهتم بالتنمية السياسية، والفلسفة السياسية، وتجديد الفكر الديني، وحقوق الإنسان. ألف العديد من الكتب منها: «نظرية السلطة في الفقه الشيعي»، و«حدود الديمقراطية الدينية»، و«سجالات الدين والتغيير في المجتمع السعودي»، و«عصر التحولات».
TT

مصير المقاتلين الأمميين

تحولات الميدان العراقي تثير سؤالاً جديًا عن مصير الآلاف من المقاتلين الذين التحقوا بالجماعات المسلحة في السنوات العشر الماضية. ويكتسب هذا السؤال أهمية إضافية عند الأخذ بعين الاعتبار التحولات الميدانية في سوريا أيضًا.
ثمة من يظن أن معظم المقاتلين، المحليين والأجانب، سوف يعودون إلى بيوتهم. لكن تجربة أفغانستان ثم البوسنة وأخيرًا العراق وسوريا، تشير إلى أن عددًا معتبرًا من هؤلاء كرس نفسه للحرب، أو فقد صلاته القانونية والاجتماعية بوطنه، ولم يعد لديه «وطن» سوى مكان الحرب. نعلم أن كثيرًا من العرب الذين قاتلوا في البوسنة حتى 1995 جاؤوا من أفغانستان، وأن عددًا من هؤلاء ذهب إلى الصومال واليمن بعد اتفاق دايتون للسلام. ومنهم من هاجر إلى سوريا والعراق لاحقًا.
نستفيد من دروس التجربة العراقية أن معظم جنود «داعش» سيعودون إلى حياتهم العادية إذا انكسر التنظيم. في 2011 كان ينشط في هذا البلد 18 فصيلاً مسلحًا، تضم 20 ألف مقاتل. وبعد احتلال «داعش» للموصل التحق به نحو 12 ألف مقاتل، ثلثهم على الأقل من الأجانب. لكن المعلومات المتوفرة تشير إلى أن هذا التنظيم هو الوحيد الباقي بين الفصائل العراقية المسلحة. وقد تراجعت قوته إلى أقل من سبعة آلاف مقاتل حاليًا.
نجاح الجيش في تطهير المحافظات الواقعة شمال بغداد، أقنع معظم مقاتلي الفصائل بالتخلي عن الحرب. والذين حاربوا من أجل لقمة العيش، التحقوا بالقوات الحكومية. ومن المتوقع أن يتكرر الأمر نفسه إذا تم تطهير الموصل.
لكن يبقى مصير المقاتلين «الأمميين» مؤرقًا لدول المنطقة. فهؤلاء الذين احترفوا الحرب، وأولئك الذين لا وطن لهم، سيبحثون بالتأكيد عن نقطة ساخنة أو حلقة ضعيفة أخرى، يواصلون فيها حياة الحرب. وهو الأمر الذي يطرح تحديًا على دول الإقليم ككل. فأي خيار من هذا النوع، يعني انفجار بؤرة نزاع جديدة.
كانت ليبيا التي تعاني من فراغ سياسي وأمني، إحدى الوجهات المحتملة لتلك البنادق. لكن تسارع الحراك الهادف إلى استعادة الدولة والنظام العام فيها، يخرجها من دائرة الاحتمالات. اليمن والصومال تمثل احتمالاً قائمًا أيضًا. لكن لو أخذنا بسيناريو أكثر تشاؤمًا، فقد نضم إلى قائمة الاحتمالات دولاً مستقرة نسبيًا مثل تونس، أو شبه جزيرة سيناء المصرية.
ليس مفيدًا المبالغة في تصوير حجم المشكلة. وأظن أنها في التحليل النهائي تتعلق بما لا يزيد على ألفي مقاتل. وهو رقم متحفظ قريب مما ورد في تقارير صحافية واستخبارية خلال العقد الأخير. هذا على أي حال ليس عددًا صغيرًا. لكنه - مع ذلك - قابل للاستيعاب إذا وضعت خطة مناسبة على المستوى العربي. يجب أن نلحظ أيضا أن هزيمة «داعش» المحتملة في العراق، وتخلي تنظيم القاعدة في سوريا عن صورته الأممية، سوف تثبط الكثير من المقاتلين وتجعلهم أميل إلى الخروج من دائرة الحرب. ونضيف إليها ملاحظة مستقاة من تجربة الأفغان العرب الذين تخلوا فعليًا عن الحرب بسبب التقدم في العمر.
زبدة القول أن دول المنطقة – سيما تلك التي ينتمي إليها مقاتلون كثيرون في سوريا والعراق – بحاجة للتفكير الجاد في طريقة مناسبة لإعادة استيعاب هؤلاء، وتعزيز الميل للمسالمة في نفوسهم. إن إهمالهم أو الاقتصار على التعامل الأمني معهم، قد يحولهم إلى قنبلة متنقلة، لا نعلم متى وأين تنفجر، أو قد يوفر فرصة لقوى تبحث عن فرصة لإشعال الحرب في هذا البلد أو ذاك.