محمد رُضا
صحافي متخصص في السينما
TT

الشعوب تريد الترفيه

سمعتها في أذني لأول مرّة عندما علّق قارئ على فيلم كان مدحه الناقد الراحل سمير نصري ما دفع القارئ إلى مشاهدة الفيلم بعدما سطت كلمات ناقد «النهار» آنذاك عليه. حين خرج كتب ما مفاده أن الفيلم لم يعجبه ووجده لا يستحق المشاهدة، وبيَّن أسبابه، ثم أضاف أنه خرج من الفيلم بدرس مفاده إذا أُعجب الناقد بفيلم فإن معنى ذلك الوحيد هو أنه لا يستحق المشاهدة، وإذا شتمه «فسأسارع بمشاهدته على الفور» كما قال ذلك القارئ.
تفحصت المقطع المقصوص الذي احتفظت به وسواه من تلك الأيام الغابرة، وأدركت أن الوضع لا يزال على حاله. ها هو طبيب تعرفت عليه في الطائرة التي أقلتني أمس من برلين إلى لندن يقول بعدما تبادلنا حوار الطائرات المعتاد: «إذن أنت ناقد سينمائي... ما هو الفيلم الذي أعجبك لكي لا أشاهده؟».
كانت إشارة خبيثة لكنها منتشرة نشرتها مجلات السينما في زاوية «بريد القراء» منذ الأزل. ما يعجب الناقد لا يعجب الجمهور، ونقده المناوئ لفيلم هو دعوة غير مباشرة لحضوره. وهذا ما زال واقعاً إلى اليوم لأنه إذا ما راجع الواحد منا معظم الأفلام التي اعتلت المركز الأول في الإيرادات الأسبوعية، وجد أن النقاد (الفعليين وليس أولئك الذين يكتبون آراء سينمائية) تصدوا لها بالمرصاد، أو على أضعف تقدير عكسوا للقارئ وجهة نظر لا تحبذ صرف 10 دولارات لمشاهدة الفيلم (وغالباً أكثر).
هذا الواقع ليس شاملاً ومن دون استثناءات. لكن هناك العديد من «نقاد» المواقع، وهي بالألوف، يكتبون ما يحتاجه الجمهور. لقد قرروا أن الزبون على حق فاستجابوا له. وجدوا أن تأييد الجمهور على وجه أو آخر يبقيهم أكثر في أعمالهم.
لكن هل هناك نقيض فعلي بين النقاد والجمهور؟ بالطبع. هناك نقيض وهناك لقاء. لكن رقعة النقيض ربما كانت أوسع، خصوصاً أن هذا يعتمد على حقيقة أن هناك مصدرين ثقافيين في هذه اللعبة: جمهور غالب يود الترفيه ونقاد آتون من مراجع فكرية وفنية.
في عالمنا العربي هناك أسباب أخرى لمثل هذا التناقض: إذ تفتح الصحف والمواقع كثيراً ما تطالعك إحدى هذه الروتينيات:
• مقال نقدي مؤلف من خطاب في الفكر مع استخدامات لكلمات صعبة للبرهنة عن العلم بالشيء.
• مقال يذكر الحكاية من «طقطق لسلام عليكم» كما لو أن هذا هو ما يحتاجه القارئ.
• مقال ينتمي إلى رأي الكاتب في أي شيء يثيره الفيلم، فيعتبر أن النقد هو إذا ما كان هو - وحده - يوافق عليه أم لا.
• ثم تلك الهجمة على الكتابة حول الذات (وهذه منتشرة حول العالم) ما يجعل القارئ يترك الناقد المتأله بنفسه ويمضي لسواه.
السينما هي الكل. والناقد يجب أن يكون متوازناً ومدركاً أن رسالته هي جذب القارئ إلى الفيلم الجيد، وليس إلقاء نظرياته ويلقنه دروسه. هو صلة الوصل بين الفيلم وجمهوره.