أمل عبد العزيز الهزاني
أستاذة في جامعة الملك سعود في السعودية. باحثة في علوم الوراثة الجزيئية. خبيرة في الإدارة الأكاديمية. كاتبة سياسية منذ عام 2009. كاتبة مقال أسبوعي في «الشرق الأوسط».
TT

حكايا «مسك» وإنجازاتها

من أعظم التحديات التي تواجهها الدولة السعودية اليوم محلياً، هي قدرتها على صنع قيادات شابة قادرة على إدارة مؤسسات الدولة وقطاعها الخاص بشكل خاص. فالرؤية الجديدة لا يمكن استدامة تحقيقها على المدى البعيد دون جيل شاب متعلم يحمل صفات الريادة والقيادة والقدرة على اتخاذ القرار الصائب.
هذه المسألة الاستراتيجية تتولاها اليوم مؤسسة «مسك» الخيرية التي أسسها ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، عرّاب «رؤية 2030»، ويرى أنها ملزمة ومتلازمة معها وأداة رئيسية من أدوات نجاحها. «مسك» الخيرية عملت خيرا بإقدامها على تبني الأخذ بيد الشباب وبناء قدراتهم القيادية من خلال أحد أهم الأهداف التي تأسست عليها. والحقيقة أن فكرة صنع القيادات الشابة بدأت في الجامعات منذ سنوات، لكنها لم تكتمل، أو لنقل أن برامجها تلك لم تنتهِ إلى الحصول على قادة من الشباب كماً ونوعاً. ولأن الأعمال بالإكمال، لم تظفر الجامعات بالنتيجة المأمولة، رغم وجود طلاب وطالبات تنبأنا لهم بمستقبل واعد في هذا المجال كانوا ضمن أسوار جامعاتنا المحلية، إضافة إلى عودة أعداد كبيرة من خريجي برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث، لكن برنامج الخريجين الذي لا تخلو منه جامعة اليوم، لم يكن مثمرا بما فيه الكفاية في جامعاتنا المحلية، لذلك انقطعت قنوات التواصل مع خريجيين أكفاء، وفقدت الجامعات كنوزها التي احتضنتها لسنوات.
مؤسسة «مسك» وسعت نطاق برنامجها لتشمل كل الشباب السعودي حيثما كان، فحجزت لهم مقاعد في جامعة هارفارد لتأهيلهم وتعزيز قدراتهم القيادية. وللحق، فإن هذه الخطوة كانت ضمن ما خططنا له في الجامعات، لكن لأسباب لا يسع المقام لذكرها لم تحصل. أرادت «مسك» أن تتولى هذا الموضوع باحترافية ومتابعة وعزم حتى النهاية، فالظروف اليوم تحتم الاستعداد لمستقبل يحمل كثيرا من التحديات بحاجة إلى من يخوضها. والشخصية القيادية ليس من السهل صنعها، فهي ضمن تركيبة الإنسان الجينية، لكنها تحتاج إلى الصقل والتدريب ومنحها فرصة الظهور والتجربة العملية. لذلك لا نتوقع أن يكون كل شاب قادرا على أن يكون قائدا حتى وإن كان يحمل شهادة جامعية من أعرق جامعات العالم، وكان خيار «مسك» إنشاء أكاديمية للقيادة تشمل الشباب السعودي خاصة والعربي عامة.
ومن «مسك» كذلك تأسست مدارس على قدر كبير من التعليم النوعي، والبيئة التعليمية المحفزة للتعلم، وهنيئا لمن استطاع ضم أبنائه إلى مثل هذه المدارس. فرغم أن مستوى التعليم في المدارس الأهلية ارتفع وأصبح الطالب هدفا تتسابق وتتنافس عليه المدارس بتقديم برامج مطورة منهجية ولا منهجية، لكن يظل اختيار الآباء للمدرسة الملائمة نقطة تحول كبيرة في مستقبل أبنائهم.
قبل نحو عقدين من الزمان لم تكن مصطلحات مثل الاستثمار في التعليم معروفة ومتداولة في المجتمع السعودي، لكن الأسرة السعودية اليوم أدركت شراسة التنافس في سوق العمل، وأن التعليم النوعي وحده هو ضمانة أبنائهم لحياة كريمة، حتى لو جاء هذا الاستثمار على حساب أمور أخرى في تسلسل النفقات. التعليم يحتل اليوم صدارة هموم الأسرة وقلقها، وتراجع كل ما عدا ذلك من أمور أضحت ثانوية.
خلال قمم الرياض التي عقدت قبل أسبوع في العاصمة السعودية الرياض، كانت «مسك» حاضرة بقوة من خلال منتدى «مغردون»، وهي المبادرة التي تجمع الخبراء من مختلف دول العالم أمام حشد كبير من الشباب، ليناقشوا أهمية المشاركة في وسائل التواصل الاجتماعي خصوصا «تويتر» لخدمة أنفسهم ومجتمعاتهم. وكان موضوع هذا العام من «مغردون» هو مكافحة التطرف والتعصب على منصات الإعلام الجديد، تماشيا مع قمم الرياض التي كانت تضم رؤساء 55 دولة مع الولايات المتحدة الأميركية في مبنى مجاور يناقشون كيفية محاربة التطرف وتحجيم الدول والمنظمات التي تدعمه مالياً ولوجيستياً، وتثير النعرات الطائفية والعرقية. وكان ضيوف «مغردون» على مستوى عالمي منهم من جاء ممثلا لموقعي «تويتر» و«فيسبوك» لشرح الصعوبات المتعلقة بحجب الحسابات المتطرفة، سواء كانت حسابات لعناصر من التنظيمات الإرهابية أو من دعاة التحريض الذين يعيشون بيننا.
واستضاف المنتدى عدداً من الدعاة الذين يمثلون آراء فقهية متباينة، وكان لحضورهم تميز في إيضاح أن الآراء وإن كانت طيفاً من الاختلاف إلا أنها متحدة ضد التطرف.
كما تناول المنتدى التعصب الرياضي، وجيء بأكبر شخصيات رياضية سعودية وعالمية تحظى بشعبية هائلة بين الشباب، لتوجيههم حول خطر التعصب الرياضي الذي قد يؤدي في النهاية إلى نشر الكراهية بين الجماهير حتى داخل الأسرة الواحدة. وفي مجال الرياضة نفسه عُقدت جلسة تناولت تمكين المرأة في مجال الرياضة، وتحدثت الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان وكيلة رئيس الهيئة العامة للرياضة للتخطيط والتطوير، في هذه المسألة، وكشفت عن تأسيس نوادٍ رياضية نسائية في المملكة طال الوقت في انتظارها.
مبادرات «مسك» الأخرى أيضا لا تقل أهمية عما ذكرت، مثل ملتقى الإعلام المرئي الرقمي، وأهمية إبراز محتوى الأفكار من خلال وسائل حديثة تصل إلى الناس سريعا وفق تقنيات متقدمة وأسلوب خطابي متميز. إضافة إلى مبادرات تجمع شبابا ناجحين بآخرين متعثرين، ليأخذوا بأيديهم بالتوجيه والإرشاد لأفضل سبل النجاح لمشاريعهم الخاصة، إضافة إلى لفت الانتباه للأطفال لإبراز مواهبهم وإبداعاتهم وتشجيعهم على تعزيزها.
مهام كبيرة يكاد يكون المجتمع السعودي يخلو كليا من مؤسسات تحتضنها، وهذا الفراغ الذي تملؤه «مسك» فضلا عن كونه ركنا أساسيا لبناء شخصية شبابية وطنية مسؤولة، فهي تقوم بذلك من خلال عصرنة الحوارات والنقاشات بمشاركة كبرى شركات العالم وبيوت الخبرة التي أسست لقيادات عالمية في السياسة والاقتصاد وعلوم الاجتماع والتقنيات، وهذا إنجاز عظيم يحسب لمؤسسة خيرية واحدة.
[email protected]