د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

ليبيا أم مانشستر «عبيدي»

البريطاني «عبيدي» مفجر أرينا أثناء حفل غنائي لمغنية البوب الشهيرة أريانا غراندي، ولد في مانشستر ليلة رأس السنة عام 1994 لأبوين ليبيين، وتلقى تعليمه في مدرسة في مانشستر، ثم التحق بجامعة سالفورد، وكان مشجعا لنادي مانشستر يوناتيد، ولم يعرف يوما مدينة القبة ولا طبرق الليبيتين حيث موطن قبيلة العبيدات الليبية، التي زعم أبوه حمل اسمها.
«عبيدي» عاش في منطقة والي رانج، بالقرب من المدرسة الثانوية التي هربت منها التوأمتان زهرا وسلمى حلاني إلى سوريا، إلى مناطق يسيطر عليها تنظيم داعش، بحسب صحيفة «تليغراف»، مما يؤكد تأثره بمحيط ظنه البعض آمنا وتغاضى البعض عنه لحسابات سياسية كانت نتيجتها هذا التفجير المروع.
«عبيدي» كغيره من الذئاب، سواء كانت منفردة أو ضمن قطيع شرس، يتميز بالقدرة على اقتناص الفرص والغدر في الوقت نفسه، وهذه الذئاب تتبنى خطابا ومنهجا عقديا وسلوكا واحدا، يؤمن بالذبح والتلذذ به وسيلة للقتل السادي، والتفخيخ والتفجير والاغتيال كوسيلة سريعة لإحداث أكبر ضرر ممكن، ولهذا التحف المسامير لتحدث عند تناثرها أكبر قدر من الضرر والشر المتناثر، ليؤكد رغبة جامحة في الانتقام ممن لا يتبنى خطابهم أو يبايعه، ولو كان مجتمعا كفل أبويه الهاربين من جحيم سلطة القذافي في التسعينات فقتل عددا من أبناء المدينة، التي ولد وترعرع فيها 22 عاما، وكما قال إمام مسجد ديدسبري لصحيفة ديلي تليغراف: «إن عبيدي كان متشددا خطيرا»، وأضاف: «وكان معتادا على إظهار كراهيته».
«عبيدي» البريطاني بالمولد والذي فجر نفسه في مانشستر كاد أخوه يفجر نفسه في طرابلس، كما صرح جهاز مكافحة الإرهاب بالعاصمة طرابلس عشية القبض عليه، هما ضحية التنشئة الأسرية الخاطئة، ولو كانا في بلد متقدم مثل بريطانيا، فعبيدي سليمان المولود في مدينة مانشستر والمتعلم في مدارسها والمترعرع بين حدائقها، لا يدرك أنها انطلقت منها الثورة الصناعية في أوروبا الغربية، وبها جامعات ونواد كبرى وشهدت علماء أمثال جون دالتون مكتشف الذرة، وكارل ماركس مؤسس الشيوعية، بينما تحول هو فيها إلى إرهابي يفجر البشر، وقد يكون مِن بين مَن فجر من طببه في مرضه صغيرا أو حتى كبيرا أو من علمه كتابة اسمه، بينما المتشرد كريس باركر قام بنقل المصابين وظهر كبطل.
لم يكن هذا المحيط «الآمن» فرضياً في مانشستر حصناً ولا لقاحاً من إنتاج الإرهاب وتفريخ الإرهابيين والتمرض بداء الإرهاب، مما يؤكد أن الإرهاب لا وطن له، ولكن يمكن تصديره وتوطينه، بل إن جميع من خاض عمليات الإرهاب والتفجيرات، هم في أغلبهم أبناء الجيل الثاني أو الثالث للمهاجرين، بل ومنهم من هم مواطنون خالصون للبلد ضحية الإرهاب.
ليبيا بلد أبوي الأخوين «عبيدي» ليست استثناء، ولعل الظروف التي وضعت فيها ليبيا بعد تدخل الناتو بإسقاط الدولة، وفقدان السيطرة الأمنية وانتشار السلاح والفراغ السياسي، مكن لمشروع توطين الفوضى وتفتيت البلاد، وظهور التنظيمات الإرهابية، وبسط سلطها بل ودعمتها حكومة المؤتمر الوطني وسلطة تم إنتاجها انتخابيا دفعت المليارات من عائدات ثروة الليبيين «النفط» للميليشيات التي كانت تغرف من المال الليبي وولاؤها خارج حدود الوطن، تشتت وتنوع بين الظواهري والبغدادي وبديع، استنادا على تأويل خاطئ لمفهوم الولاء والبراء في الإسلام، فتبرأ هؤلاء حدثاء السن وسفهاء الأحلام حتى من ذويهم فما بالك باقي الشعب الذي كان تحصيل حاصل، فهؤلاء الإرهابيون لا أحد بينهم مخلص لليبيا الوطن بحدودها الجغرافية كدولة مدنية.