سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

«من أحقر الشخصيات»

يريد الروائي والمؤرخ الدكتور يوسف زيدان أن ينفي عن صلاح الدين الأيوبي كل الصورة التي له في كتب التاريخ العربي، فكان أن وصفه بأنه «من أحقر الشخصيات في تاريخنا». ويريد محبو صلاح الدين الدفاع عمن يعتقدون أنه قاهر الحروب الصليبية، فرشقوا زيدان بالتهم. المألوف منها والمعروف بالصهيونية، وتجاوزوها إلى التهديد بالقتل.
تفضل، إذا كنت معجباً بصلاح الدين كقائد عسكري وسياسي، وبالدكتور يوسف زيدان كروائي ومؤرخ، وحاول أن تأخذ موقفاً. فلنسارع إلى القول إن انتقل في النقاش العلمي والتاريخي، أو الكيميائي، أو الفيزيائي أو أصل بني عبس، ليس معتمداً في الجدال البشري. ونرجو أن يبقى كذلك. هناك أسباب تاريخية كثيرة يقتل أو يموت العرب بسببها، ولا حاجة إلى مسبب جديد، اتفق على شخصه الأوروبيون أعداؤه ولم نقرر، حتى الآن، موقعه من التاريخ وموقفنا منه.
لم أقرأ الذين هاجموا الدكتور زيدان، ولا أنا أتابع الوسائل التي ينشرون فيها، أو يهددون بالقتل، أو يرشقون بالتهم. لكنني من قراء «المصري اليوم» بانتظام، ومن متابعي مقالات الدكتور زيدان فيها. قلت «مقالات» لأنه في الآونة الأخيرة ركز على نشر القصص القصيرة، التي أعتقد أن الصحافة اليومية ليست مكانها في هذه الأزمنة المتوترة والقصص الطويلة.
فوجئت - قبل الردود - بأسلوب زيدان في التطرق إلى شخصية صلاح الدين وسيرته. يقول الدكتور إنه يفعل ذلك بأسلوب علمي من أجل وضع الرجل في إطاره الفعلي، بعيداً عن الأساطير التي أحيطت به. هذا مسعى ممتاز، لكن هل تبدأه بأنه من «أحقر الشخصيات في تاريخنا»؟ أي تحليل علمي، أو مقبول، يمكن أن يبدأ باعتبار تاريخنا مليئاً بالحقراء، وأن من أكثرهم حقارة الرجل صلاح الدين؟ ويعتب الدكتور زيدان على منتقديه ومهاجميه ومهدديه، بأنهم ضيقو الصدور، لا يقبلون الرأي الآخر، أو الحقيقة الأخرى، فهل الحقيقة الأخرى أن صلاح الدين كان من الأكثر حقارة؟
ماذا لو أخبرتنا، مثلاً، أنه شخصية مثيرة للجدل، وغير متفق عليها؟ ماذا لو وعدتنا بتصحيح وتوضيح بعض الحقائق فيما يتعلق بصلاح الدين ومرحلته؟ عندما يقرر أديب في مستوى يوسف زيدان طرح قضية تاريخية بادئاً باعتبار موضوعه «حقيراً» لا حاجة إلى إكمال القراءة، ما دام الرجل سيئاً إلى هذا الحد.