هدى الحسيني
صحافية وكاتبة سياسية لبنانية، عملت في صحف ومجلات منها: «الأنوار» في بيروت، و«النهار» العربي والدولي و«الوطن العربي» في باريس ، و«الحوادث» و«الصياد» في لندن . غطت حرب المجاهدين في افغانستان، والثورة الايرانية، والحرب الليبية - التشادية، وعملية الفالاشا في السودان وإثيوبيا، وحرب الخليج الاولى. حاورت الخميني والرئيس الأوغندي عيدي أمين.
TT

انتخابات رئاسية لتلميع صورة إيران في الخارج

ما هذا الانفتاح الربيعي؟ ما هذه الشفافية؟ ما هذه الصراحة؟ جلسات نقاش، كان من المفروض تسجيلها، سمح بإجرائها مباشرة على الهواء؛ لأنه من الأفضل أن يتقاذف المرشحون للرئاسة الاتهامات ويمتصوا غضب الشارع، عندها بماذا سيزايد الإيرانيون لاحقاً، ثم يعلن وزير الاستخبارات- الإعلام محمود علوي، أن التضامن والأمن ومصلحة المجتمع أبعد من كل الأهداف السياسية. ويقول في 10 من هذا الشهر: يجب احترام خيار الناس، فوزارته أحبطت خطة استهدفت روحاني، وصادرت آلاف القمصان التي تحمل عبارات: «وداعاً لإدارة الكلمات» و«أربع سنوات من البطالة والمستنقع» و«لن أصوّت لروحاني».
غير أن التلفزيون الإيراني أتلف يوم السبت الماضي أجزاء من فيلم وثائقي أراد بثه الرئيس حسن روحاني ليكشف عن سعة صدره وتحمله. ما قطعته الرقابة أصوات أنصاره يرددون «يا حسين، يا مير حسين موسوي» مطالبين بإطلاق سراحه، وحذفت الرقابة صورة الرئيس السابق محمد خاتمي، المحظور على وسائل الإعلام الإيرانية، ومنذ عام 2015، ذكر اسمه أو صورته أو بث صوته. وكشف مسؤول في حملة روحاني عن أن التلفزيون حذف ملاحظة لطالب قال فيها «إن المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي أيد الاتفاق النووي بين إيران والغرب».
وكان حسن عباسي، الضابط في قوات الحرس الثوري، ألقى كلمة تأييد للمرشح المحافظ إبراهيم رئيسي، وعده فيها بأنه «في المستقبل القريب سيقف حسين موسوي ومهدي كروبي ومحمد خاتمي أمام المحكمة وسيعدمون»!
من الواضح أن الكل صار يعرف أن الانتخابات الإيرانية ليست حرة ولا نزيهة، من البداية إلى النهاية حتى لو تخللتها هذه النقاشات. لكنها تبقى مهمة للنظام القائم في إيران؛ إذ على الرغم من عدم شرعيتها والقيود التي يتحرك المرشحون ضمنها، والجهود التي يبذلها نظام ولي الفقيه، يبقى مكتب الرئيس هو إطلالة هذا النظام على العالم، من خلال إما سياسة خارجية موجهة للعالم الغربي ترافقها التصريحات النارية، كما في زمن أحمدي نجاد، أو سياسة خارجية زهرية اللون يستسيغ سماعها الغرب، كما في زمن محمد خاتمي وحسن روحاني. وعبر سياسة الرئيس والارتدادات الدولية عليها، يقرر المرشد الأعلى أي منعطف يأخذ.
يحرص النظام الإيراني وجماعات الضغط الموالية له في أنحاء العالم على خلق الانطباع بأن الانتخابات الرئاسية يوم غد ستكون تتويجاً لعملية ديمقراطية. وكجزء من بيع العالم فكرة أن النظام الإيراني قريب من الديمقراطية، أعد النظام حملة رئاسية على النمط الغربي، حيث شارك المرشحون في نقاشات تلفزيونية حية سمح لهم بانتقاد الحكومة الحالية التي ردت أن الفساد يعشش في مؤسسات الدولة، وتبادل المرشحون الاتهامات والتحديات، إنما اللافت أن أحداً لم يأت على سيرة المرشد. أليس هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في كل شيء، إن كان على الصعيد المحلي أو الإقليمي أو الدولي. كيف يمكن لمجموعات أن تسبح في الفساد وإهدار حقوق الناس ودمائهم، وحرمانهم من الحرية إذا لم يكن هذا بموافقة المرشد الأعلى؟ يدافعون عن المرشد الأعلى بأنه غير فاسد، لكن ماذا عن تشجيعه على الفساد؟!
تم تشجيع الإيرانيين على الخروج والتصويت؛ حتى يتسنى للنظام أن يظهر الإقبال القوي بصفته مؤشراً على الحرية التي يتمتع بها المواطنون، والدعم الشعبي للنظام نفسه. التشجيع كان «من أجل البلاد» و«من أجل الإسلام». حتى خامنئي قال مؤكداً: «إن أي تصويت في الانتخابات الرئاسية هو تصويت للنظام الحاكم».
يريد النظام في هذه الحالة أي «التصويت للنظام الحاكم» إثارة الناس، ولا سيما الشباب لإشراكهم وإحضارهم إلى مراكز الاقتراع كي تكون صفوف الانتظار طويلة، عندها يبث صوراً للاستهلاك المحلي والدولي عن المشاركة الضخمة. بعض الغرب يبتلع الطعم، أو هو يريد ذلك، وها هو كارل بيلدت، رئيس وزراء السويد السابق، والمسؤول في المجلس الأوروبي للشؤون الخارجية، يقول يوم الاثنين الماضي إن الانتخابات الأكثر إثارة هذا الأسبوع، ومن دون شك هي الانتخابات الإيرانية، إن مناقشات حامية جرت وتجري.
السجينة مريم اكباري مونفرد عبّرت عن رأيها في الانتخابات في رسالة جاء فيها: الانتخابات المزيفة هذه السنة تحولت إلى تنافس للكشف عن النهب والفساد؛ مما سيؤدي إلى الفوضى وإلى الفشل السياسي لكلا الطرفين، وهذا بدوره يشير إلى انحطاط وتفكك أركان النظام الذي يدعي المتنافسون أنه قوي جداً ويتعزز.
تتساءل مريم، التي تمضي عقوبة سجن لمدة 15 عاماً، وبدأتها عام 2009: أليس هذا السيد روحاني الذي كان أميناً لمجلس الأمن القومي عام 1999، وكان له الدور الرئيسي في القمع انتفاضة الشباب في ذلك العام؟ ألم يكن المرشح المنافس إبراهيم رئيسي الذي تمت ترقيته مؤخراً إلى آية الله، أحد أعضاء «لجنة الموت» عام 1988 وسجله مليء بعمليات إعدام جماعية؟... «لذا صوتي هو (لا) للنظام الإيراني».
أحد أمثلة «الواجهة الديمقراطية» التي اكتسبت اهتماماً عالمياً اتهام روحاني للحرس الثوري بمحاولة نسف الاتفاق النووي. يعرف روحاني أن هذا الاتهام بمثابة الموسيقى في آذان الغرب. قال رأينا الشعارات ضد إسرائيل على الصواريخ، ثم إن الحرس كشف عن مدن الصواريخ تحت الأرض (...).
هذا النقد «الجريء» تلقفه الغرب. ساعد روحاني صورته المزعومة في الخارج على أنه معتدل، وبالتالي ساعد أيضاً النظام الذي جعله رئيساً. في الواقع لم ينتقد روحاني برنامج الصواريخ الإيرانية، لم يتجاوز «الخط الأحمر» بأن واجه الحرس بدوره الإرهابي والعسكري في زعزعة دول المنطقة؛ لأنه شريك في هذا الدور، ثم إنه يعرف ألا شعبية للحرس الثوري في المدن الإيرانية، ولا شعبية لفلسطين أو حماسة للحرب ضد إسرائيل، ثم إن روحاني في السنوات الثلاث الماضية ضاعف من ميزانية الحرس الثوري، وربما يعرف ما تسرب من أنه إذا لم يفز في الانتخابات الرئاسية فإن حرباً ستقع!
أما بالنسبة إلى المرشح رئيسي، فإنه يواجه صعوداً شاقاً رغم أن سجله يبعث الاطمئنان في صفوف رجال الدين المتشددين وأجهزة الأمن، إلا أن ما قدمه في المناظرات من أوراق اعتماد لم يجذب أحداً.
من المؤكد أن الناخبين الإيرانيين ليسوا وحدهم من يحدد نتائج الانتخابات. وقد آثار تكوين السباق الرئاسي هذا العام شكوكاً حول الدافع الخفي، وبالذات ما يتعلق برئيسي؛ لأنه مرشح لمنصب أبعد من الرئاسة، أي لخلافة خامنئي. قبل وصول الأخير إلى منصب المرشد الأعلى عام 1989 ظل رئيساً لمدة 8 سنوات، على الرغم من أن دور الرئيس كان احتفالياً إلى حد كبير، فإنه وضع خامنئي في نواة صنع القرار الوطني، وهو ربما فضل أن يكسب من سيخلفه الخبرة الإدارية والإطلالة.
إذا كان هذا هو الدافع المنطقي لترشح رئيسي فلا بد أن يكون الفوز في الرئاسة أمراً حتمياً؛ لأن إخضاع رجل دين غير معروف نسبياً، للتدقيق العام المكثف عبر حملة وطنية، ثم رؤيته يصاب بهزيمة سيكون أمراً لا يمكن الدفاع عنه، خصوصاً بعد الدفع الذي كان لصالح رئيسي. ثم إنه إذا لم يكسب بفارق كبير، فإن مصداقيته بصفته مرشداً أعلى لاحقاً ستتزعزع لدى من يتحملون مسؤولية عملية الخلافة.
في هذه الأثناء، تستمر إيران في مشروعها الإقليمي، في الداخل ترتدي «الثوب الديمقراطي» وتترك لجماعاتها في الخارج الكشف عن استراتيجيتها. قال العراقي قيس خزعلي زعيم عصائب أهل الحق: «سنواصل العمل من أجل مشروعنا لقمر شيعي كامل، وليس لهلال شيعي كما يقول أعداؤنا» وخزعلي أحد كبار قادة قوات الحشد الشعبي الذي أنشأته وتموله وتسلحه إيران - الديمقراطية... كما انتشرت صور آليات تابعة للجيش الأفغاني في العراق ليتبين أن إيران لا ترسل فقط مرتزقة أفغانيين، بل معدات الجيش الأفغاني.
انتخاب رئيس إيراني لن يحدث بحد ذاته تغييراً جذرياً في هيكلية الجمهورية الإسلامية الإيرانية، حيث للمرشد الأعلى خامنئي الكلمة النهائية بشأن كل المسائل الحكومية، بما فيها نسبة الفساد. لكن، تبين أن فجوة متنامية وتناقضات كثيرة بدأت تتفشى في النظام السياسي، وهي التي ستحدد مستقبله.