د. حسن محمد صندقجي
طبيب سعودي واستشاري قلب للكبار بمركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
TT

جدوى الاستثمار في صحة المراهقين

الدراسة الطبية الأبرز في عدد 19 أبريل (نيسان) الحالي من مجلة «لانسيت» Lancet الطبية كانت بعنوان «بناء أسس التنمية المستدامة: قضية للاستثمار العالمي في قدرات المراهقين». وقد شارك في إعدادها باحثون من جامعة فيكتوريا، وجامعة ملبورن في أستراليا، وصندوق الأمم المتحدة للسكان UNFPA. وهي دراسة مبنية على توصيات «لجنة لانست لعام 2016 بشأن صحة المراهقين ورفاهيتهم»، وهي اللجنة التي أبرزت في حينه ضرورة وجدوى الاستثمار في صحة المراهقين. وقالت اللجنة في ملخصها التنفيذي ضمن عدد 11 مايو (أيار) 2016 من مجلة «لانست» الطبية: «تعتبر شريحة المراهقين اليوم في العالم هي الشريحة الأكبر على مرّ التاريخ، ويبلغ تعدادهم اليوم في كل العالم أكثر من مليار و200 مليون مراهق. والمراهقون يواجهون تغيرات اجتماعية واقتصادية وثقافية لم يسبق لها مثيل». وأضافت: «ويشيع الاعتقاد بأن فترة المراهقة هي الأفضل صحياً طوال العمر، ولذا ينال الشباب القليل من الاهتمام الصحي».
وآنذاك، خلصت اللجنة إلى ضرورة التنبه إلى أن الاستثمار في المراهقين سيعود بفائدة ثلاثية الأبعاد، في حاضر حياة المراهق، وخلال بقية عمره ما بعد تجاوزه مرحلة البلوغ، وللجيل القادم من الأطفال. وهو ما يعني أن الاستثمار في صحة المراهقين ورفاهية عيشهم هو أفضل ما يُمكن فعله، وسيؤدي إلى أرباح اقتصادية تتجاوز قيمتها ما يُنفق عليها، أي أن هذا الاستثمار لن يُحدث فرقاً مباشراً فقط في مستوى صحة الأولاد والبنات بل سيحقق عوائد اقتصادية عالية وخاصة في الدول النامية.
وتظهر الدراسة الحديثة بلغة الأرقام أن الاستثمار في صحة المراهقين والعمل على رفاهيتهم الصحية هو استثمار مالي ناجح، وتم التوصل إلى تلك النتائج عبر عمليات حسابية معقدة في موازنة الكُلفة الإنفاقية والمردود الصحي، سواء في رفع مستوى الصحة أو منع الإصابة بالأمراض، أو منع حصول الوفيات التي لها طرق حسابية كمية لتقدير ضررها الاقتصادي فوق ضررها الاجتماعي والنفسي.
وتحديداً، أفاد الباحثون بأن تحسين الصحة البدنية والعقلية والجنسية للمراهقين الذين تتراوح أعمارهم ما بين 10 و19 سنة، عبر تكلفة قدرها بالمتوسط 4.6 دولار للشخص الواحد في السنة، بإمكانه أن يُؤدي إلى تحقيق فائدة اقتصادية تقدر قيمتها بـ10 أضعاف ما تم إنفاقه، وذلك عن طريق تجنب حصول 12 مليون حالة وفاة بين المراهقين على مستوى العالم، وأيضاً عن طريق منع حصول 30 مليون حالة حمل غير شرعي فيما بين المراهقات على مستوى العالم. وأضافوا: «وبالمثل فإن الاستثمار في زيادة نطاق ونوعية التعليم الثانوي، بتكلفة 22.6 دولار للشخص الواحد في السنة، سيعطي فوائد اقتصادية أعلى بنحو 12 ضعفاً، وسيُؤدي إلى توفير 12 مليون وظيفة إضافية للأشخاص الذين تتراوح أعمارهم ما بين 20 و24 سنة».
وبالإضافة إلى الصحة والتعليم، تُبين الدراسة أن الاستثمار في تحسين السلامة على الطرق، الذي تبلغ تكلفته نحو 0.6 دولار للشخص الواحد في السنة، سيوفر منافع اقتصادية أعلى بنحو 6 أضعاف، ويمنع ما يقرب من نصف مليون حالة وفاة بين المراهقين بحلول عام 2030.
وقال البروفسور بيتر شيهان، المؤلف الرئيسي للدراسة من جامعة فيكتوريا، إن «بعضاً من أفضل الاستثمارات في صحة المراهقين ورفاهتهم هي استثمارات في خارج نطاق القطاع الصحي، مثل الحد من إصابات الطرق وتحسين التعليم. وما من شك في أن الإجراءات المبينة في دراستنا حول الاستثمار في صحة المراهقين، يمكن أن تُنفذ في مجموعة واسعة في بلدان العالم، مما يغير حياة الفتيان والفتيات في جميع أنحاء العالم». إن الآثار الإيجابية في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية للاستثمارات في صحة المراهقين ورفاهتهم هي آثار عالية بكل المعايير في التقييم، وهي من بين أفضل الاستثمارات التي يمكن للمجتمع العالمي أن يحققها لتحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة.
وأوضح الباحثون أن التهابات العدوى الميكروبية في الأمعاء والتهابات الجهاز التنفسي والملاريا ومرض نقص المناعة المكتسبة وحوادث الطرق والغرق وحالات الإسهال، هي بمجموعها السبب وراء نحو نصف الوفيات فيما بين المراهقين ممنْ أعمارهم تتراوح ما بين 10 و14 سنة. وحوادث الطرق وإيذاء النفس والعنف هي السبب الرئيسي للوفيات بين من أعمارهم تتراوح ما بين 15 و24 سنة. والاكتئاب هو السبب الرئيسي لسوء الصحة الذي يؤثر على أكثر من واحد من بين كل 10 أشخاص تتراوح أعمارهم ما بين 10 و24 سنة من العمر.
وفي دراستهم التحليلية، حسب المؤلفون الأثر الاقتصادي والاجتماعي للتدخلات الصحية الرامية إلى تحسين خدمات صحة الأم والوليد والصحة الإنجابية، وتحسين فرص الحصول على العلاجات المتعلقة بفيروس نقص المناعة والملاريا والاكتئاب والإدمان على الكحول والصرع، وتوسيع نطاق لقاحات فيروس الورم الحليمي البشري HPV. كما أنهم قاموا بحساب أثر برامج التعليم التي تهدف إلى الحد من التسرب من مواصلة التعليم، وأساليب التدريس الأفضل، والتعلم بمساعدة الحاسوب والإذاعة والتلفزيون. وحسب الباحثون أيضا تأثير «تدخلات تحسين السلامة على الطرق» مثل ارتداء خوذة الرأس واستخدام حزام الأمان، والامتثال لتحديد السرعة، واختبار الكحول، فضلاً عن الطرق الأكثر أمناً وتحسين سلامة المركبات.
وقال البروفسور جورج باتون، المؤلف المشارك من جامعة ملبورن: «هناك اليوم في جميع أنحاء العالم مليار و200 مليون مراهق تتراوح أعمارهم ما بين 10 و19 سنة، وستساعد الاستثمارات الصحية فيهم على تحسين قدراتهم البدنية والمعرفية والاجتماعية والعاطفية. ومن شأن ذلك أن يولد أرباحاً مضاعفة تقلل من الوفاة والعجز لدى المراهقين اليوم، وتعزز الصحة والإنتاجية في جميع مراحل الحياة. ولأن هذا هو الجيل القادم كآباء وأمهات، ستتوفر أفضل بداية ممكنة للحياة للجيل القادم، ولا توجد مهمة أكثر إلحاحاً في الصحة العالمية من ضمان حصولهم على الموارد للقيام بذلك الاستثمار».