نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

أميركا تطلب وقتا مستقطعا

على مدى تسعة أشهر، كان يوم التاسع والعشرين من أبريل (نيسان)، يُقدم على أنه يوم مفصلي، فإما أن يعلن فيه قدوم مولود جديد اسمه السلام الفلسطيني الإسرائيلي، وإما أن تمدد مهلة الحمل، وإما أن تنهار العملية بأسرها فيعود أطراف مشروع كيري إلى نقطة الصفر.
لم يحدث شيء من هذه الاحتمالات الثلاثة، فلا المولود أتى، ولا تأجيل الولادة حدث، ولا العودة إلى نقطة الصفر، لأن الذي حدث بالضبط، هو اندلاع حرب من نوع جديد بين الفلسطينيين والإسرائيليين، تقول لنا فصولها الأولية المعلنة، بأن الوضع انحدر كثيرا إلى أسفل، وقد نحتاج إلى معجزة تعيدنا إلى ما كنا عليه يوم بدأ كيري تنفيذ مبادرته.
في الأسبوع الذي سبق يوم الولادة الافتراضية، بلغت تكتيكات الطرفين حدودا غير مسبوقة في طرح الشروط المستحيلة.. بمعنى أن كل طرف وضع نفسه في زاوية لا أمل في الخروج منها.
الشروط الفلسطينية، وهي جميعها منطقية وعادلة من وجهة نظر موضوعية، وحتى من وجهة نظر فريق من الإسرائيليين والأميركيين وكل الأوروبيين، إلا أنها بالنسبة للإسرائيليين، لم تقوّم على أنها مجرد شروط مرفوضة بل إنها بلغت مستوى إعلان الحرب على إسرائيل، وبالنسبة لإسرائيل فإن أي موقف فلسطيني، لا يرضخ تماما للمطالب الإسرائيلية، يعد موقفا مدمرا، ليس للعملية السياسية فقط، وإنما لأساس الوجود الإسرائيلي.
ما وضعه الفلسطينيون كشروط، مثل تحديد حدود الدولة العبرية، وتجميد الاستيطان، هو في واقع الأمر مطلب أزلي للعالم كله بما في ذلك الكثير من القوى الممالئة لإسرائيل والداعمة لها وعلى رأسها الولايات المتحدة، أما الشروط المضادة التي وضعها الإسرائيليون، فالقديم منها هو الاعتراف الصريح بيهودية الدولة، ثم التراجع الصريح عن التفاهم الذي تم مع حركة حماس، ناهيك عن الشروط الكثيرة التي قبل الفلسطينيون ببعضها وتناسوا البعض الآخر.
وإذا كانت الشروط الإسرائيلية، المقبول منها فلسطينيا والمرفوض، يُمكن مناقشتها، إلا أن ما يمنع الوصول إلى خلاصات يمكن أن يبنى عليها، هو قائمة العقوبات التي وضعها الإسرائيليون، وهي من النوع الذي يجعل القيادة الفلسطينية في وضع حرج مهما كان قرارها في هذا الشأن، فإن قبلت الشروط الإسرائيلية خوفا من العقوبات، فإنها ستخسر مصداقيتها أمام شعبها، وستفقد الحد الأدنى من هيبتها، فضلا عن تبدد قرارها الوطني وانهيار وضعها فعليا كشريك في مشروع سياسي، وإذا رفضت، وهي رافضة بالفعل، فإن ثمنا باهظا لا بد من دفعه للحفاظ على موقفها وتطويره، سواء على صعيد الوحدة مع حماس أو استكمال الانضمام إلى ما تبقى من المؤسسات الدولية، والخطوات التالية لتطوير الوحدة مع حماس ربما تكون أصعب بكثير مما تم، وكذلك الأمر فيما يتعلق بما تبقى من المؤسسات الدولية.
عندما قلت إن الأمور بلغت حدا من التردي أين منه نقطة الصفر، فإنني أرى عاملا لا بد وأن يفاقم الأوضاع بصورة خطرة، وهذا العامل هو تجميد الجهد الأميركي لفترة قد تطول وهذا أمر يشبه الوقت المستقطع الذي يلجأ إليه مدربو الفرق الرياضية حين يخرج اللاعبون عن المسارات المرسومة والخطط الموضوعة، إلا أن الوقت المستقطع السياسي، الذي منحه الأميركيون لأنفسهم بعد فشل مشروع كيري، والذي يفترض أن تنتهي مدته حين يتأبط عباس ذراع نتنياهو ويتوجهان بصوت واحد إلى السيد كيري قائلين له لقد تفاهمنا فتعال لإكمال المشوار.
إن انتظار الأميركيين لأمر كهذا كشرط لإعادة العمل بين الجانبين، يبدو كما لو أنه انتظار للمستحيل، ولو كان أمر كهذا سيحدث، بفعل معجزة فما هي الحاجة بعد حدوثه لقبعة كيري كي يرتديها الطرفان. إنني أرى أن الأميركيين يتبعون منطقا معكوسا فهم ضروريون كطرف ثالث حين يعجز الطرفان الأساسيان عن التفاهم، وليس عكس ذلك أن يأتوا للاحتفال لتفاهم الطرفين. لقد حدث ذلك مرة واحدة حين خاض الإسرائيليون والفلسطينيون محادثات سرية بعيدة عن التأثير الأميركي في أوسلو، وما يجعلني على يقين من أن هذا الذي حدث لن يتكرر مرة أخرى هو أن زمن أوسلو القديم تغير كثيرا عن زمننا هذا، ومن كانوا في أوسلو مستعدين لخوض التجربة لأن النجاح كان كامنا في المستقبل فإنهم الآن لن يعيدوا الكرة لأن تراكم فشل عشرين سنة ارتفع كجدار مسبق في وجه تجدد أمل النجاح من جديد.