د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

الجيش الليبي كسب رهان الشعب

استطاع الجيش الليبي، ورغم تدمير معسكراته وأنظمة الدفاع الجوي من قِبل حلف الناتو عام 2011، ورغم تهالك وقِدم سلاحه الجوي، ورغم الحصار الدولي على تسليحه، ورغم كِبر حجم الجماعات الإرهابية الممولة دولياً وإقليماً لنشر الفوضى «الخلاقة» والرعب، كسبَ رهان الشعب بقبائله المختلفة ومجتمعه المدني، الذين راهنوا جميعاً على دولة مدنية يحميها جيش وطني غير مؤدلج، عقيدته الإيمان بالله... ثم الوطن، لا يضم بين صفوفه ميليشيات ولا أمراء حرب تحت أي مسمى، وعلى رأسها مسمى «ثوار»، ذلك المسمى الفضفاض المطاط الذي تستخدمه جماعات الإسلام السياسي كيفما تشاء، حسب هواها.
انتصارات الجيش الليبي وسحقه الجماعات الإرهابية، وآخرها تلك التي تسللت صحبة تنظيم القاعدة بقيادة المدعو مختار بن مختار، الذي هو الآخر سعى إلى احتلال الهلال النفطي الليبي، والسيطرة على منابع النفط؛ ليتمكن «القاعدة»، وبتوجهات من الإرهابي المختبئ أيمن الظواهري، من الحصول على منابع وموانئ النفط لتمويل مشروعاتها الإرهابية، في محاكاة لما فعله «داعش» خلال فترة تمددها قبل أن يقطع قرنه.
تحالف الميليشيات المهاجمة، التي هي في الواقع متناحرة فيما بينها، جمعها العداء للجيش والدولة الوطنية، تتطاحن وتتقاتل على مراكز نفوذها في العاصمة، وتتوحد في حربها على الهلال النفطي وقتالها الجيش الليبي، ولكنه سرعان ما انهار تحالفها بعد ساعات من تسللها إلى ميناء رأس لانوف النفطي برفع رايات «داعش»، ورغم محاولات قيادات إخوانية كبيرة ثنيها عن رفع الرايات، ولو حالياً، ولكن إصرار عناصر «داعش» في تحالف القوى المهاجمة جعل التقارير الاستخباراتية تتقاطر من جهات كثيرة، وبعد التأكيدات أن المهاجمين ليسوا جماعة ليبية تسعى إلى العودة إلى بنغازي كما زعمت، بل هي تحالف ضم عناصر من «داعش» وأكثر من 500 عنصر من «القاعدة» مع بقايا دروع «الإخوان»، وإن كانوا جميعاً يحملون اسم «سرايا الدفاع عن بنغازي».
تسلل واحتلال تحالف «القاعدة» وميليشيات المعارضة التشادية وبقايا الدروع الإخوانية المسماة «سرايا الدفاع» (وهى خليط من جماعات متطرفة وإجرامية تلاحقها قضايا إرهاب واغتيال وتفجيرات كانت مارستها في مدينة بنغازي)، للحقول والموانئ النفطية في الهلال النفطي الممتد من ميناء الزويتينة والبريقة ورأس لانوف والسدرة، لم يستمر إلا لساعات قلائل، فسرعان ما تقدم الجيش الليبي بعد ترتيب صفوفه في عملية عسكرية سميت «البرق الساحق» وسحق هذه الميليشيات وطارد بقاياها في الصحراء وتوغل إلى بلدة هراوة (40 كلم شرق سرت) لتؤكد الجيش جاهزيته وقدرته.
هناك تأكيدات على تواطؤ إيطالي ودعم لوجيستي للتشويش على رادارات الجيش الليبي، وتعطيل منظومة الملاحة، بل قام ضباط إطاليون بزيارة قاعدة الجفرة، حيث مقر هذه الجماعات، وهناك دعم سياسي من بعض الدول الأوربية الأخرى، وسكوت عن أعمال هذه الجماعات الإرهابية، كما أن قائد ميليشيات «سرايا الدفاع» كرر في خطاب متلفز من مدينة مصراتة القول: إنه يحمل صفة عسكرية، وإن ميليشياته تتبع ما يسمى «وزير» الدفاع في حكومة السراج التي رفضها البرلمان الليبي، إلا أن الدول الكبرى ذات المصالح في النفط الليبي تريد فرضها على الشعب الليبي، في تجاهل تام لإرادة هذا الشعب الليبي وبرلمانه الشرعي المنتخب.
المحاولة الفاشلة لجماعة الإخوان السيطرة على الهلال النفطي، كانت خطوة استباقية منها لكسب واقع تفاوضي جديد، وقلب المعادلة التفاوضية، ولكن رهانها على ميليشيات متعددة الهوى، سرعان ما فشل وذهبت ريحه، وخسرت الجماعة، وكعادتها، في ظل وجود قيادات من المراوغة والإصرار عليها منذ أكثر من 80 عاماً، هي العمر الافتراضي للجماعة، التي لم تنجح فيه في تحقيق أي هامش من «العدالة»، ذلك الشعار الذي ترفعه دائماً أحزابها مقروناً بصفة «مثالية» كالبناء والتنمية والإصلاح والحرية، صفات لم تعمل بها يوماً ولا في نيتها العمل بها، سوى أنها شعارات جوفاء.