زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

مقابر دير المدينة

تقع جبانة دير المدينة في البر الغربي لطيبة، وبالتحديد في الطرف الجنوبي بين وادي الملكات في الغرب والرامسيوم في الشرق ومنطقة قرنة مرعي في الجنوب، وأطلق عليها في النصوص المصرية القديمة اسم «ست ماعت»، وتعني دار الحق، ويرجع الاسم الحالي للقرية إلى الدير الذي شيده الأقباط في ذلك المكان في العصر القبطي المبكر. وسمي العمال الذين يعملون في هذه القرية اسم «الذين يعملون في مكان الحق». كان عملهم الأساسي تشييد المقابر والمعابد الملكية، وكان العمال يورثون مهنتهم لأبنائهم، وكان العمال في دير المدينة مقسمين إلى فرقتين؛ الفرقة الأولى، وهي التي تعمل في الجانب الأيمن من المقبرة وتسمى مجموعة الميمنة، والفرقة الثانية تعمل في الجانب الأيسر من المقبرة وتسمى مجموعة الميسرة، وكان متوسط عدد العمال في الفرقة الواحدة يبلغ ستين عاملا تقريبا، وكان لكل فرقة اثنان من المشرفين، بالإضافة إلى وجود كاتب مسؤول عن الجانب الإداري الخاص بالفرقة، حيث كان مسؤولا عن تنظيم الحضور والانصراف وتقديم تقارير يومية عن سير العمل في المقابر، وهذه التقارير كانت ترفع إلى مكتب الوزير أو إلى المندوب الملكي، وعادة ما كان الوزير يزور المقابر الملكية التي يتم العمل فيها لمتابعة سير العمل والإشراف عليه، وقد كان العامل يأخذ إجازة ثلاثة أيام كل شهر، بالإضافة إلى الإجازات والأعياد الأخرى.
احتوت المنطقة على كثير من الآثار، من أهمها جبانة العمال التي عثر بها على أكثر من خمسين مقبرة مزخرفة ومزينة بمناظر بديعة يرجع تاريخ معظمها إلى عصر الأسرتين التاسعة عشرة والعشرين. اختلفت مقابر العمال في دير المدينة عن مقابر الأشراف التي شيدت في البر الغربي، فهي تتكون من مدخل على شكل صرح يوصل إلى فناء تحيط به جدران من الطوب اللبن في نهايته هرم مجوف مقام مباشرة على سطح الأرض أو على قاعدة منخفضة من الطوب اللبن، وفي واجهة الهرم المواجه للفناء توجد مشكاة كان يوضع فيها تمثال صغير للمتوفى يمثله راكعا تارة أو ممسكا لوحة جنائزية تارة أخرى. ووجد داخل هذا الهرم مقصورة للقربان ذات سقف مقبي زينت جدرانها بمناظر يومية وجنائزية. أما الجزء المحفور بباطن الأرض فقد نصل إليه من خلال بئر عميقة، إما بالجهة الشمالية في الفناء المفتوح، وإما عن طريق درج هابط، ومنه نصل إلى حجرة صغيرة أو حجرتين يمكن أن تكونا ملونتين، ومنهما نصل إلى حجرة الدفن، وهي عبارة عن حجرة مستطيلة ذات سقف مقبي، يملأ جدرانها المغطاة بطبقة من الجص كثير من مناظر العالم الآخر.
وتعد حياة عمال دير المدينة ومشكلاتهم اليومية من أروع ما وصلنا عن صور الحياة اليومية من مصر الفرعونية؛ حيث يعكس كثير من أوجه الحياة في زمن الفراعنة الساحر لتلك الطائفة من الفنانين والعمال في قريتهم التي تأسست مع بداية الأسرة الثامنة عشرة.
ومن أجمل ما يميز مقابر دير المدينة هو أنها ما زالت تحتفظ إلى الآن بألوانها الرائعة، وتمتاز بجمال النقوش وتنوعها، والجديد في هذه المقابر أنه تعلوها أهرامات صغيرة. ومن المميز في مقابرهم كذلك غلبة المناظر الدينية التي تنتمي إلى العالم الآخر الخاصة بحجرة الدفن، حيث فضلها العمال في تلك الفترة عن مناظر الحياة اليومية التي لم تختف بالكامل. لا يمكن لسائح يأتي إلى الأقصر ولا يزور مقابر دير المدينة.