عثمان ميرغني
كاتب وصحافيّ سوداني، نائب رئيس التحرير السابق لصحيفة «الشرق الأوسط». عمل في عدد من الصحف والمجلات العربية في لندن. متخصص في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية ومهتم بقضايا الاقتصاد العالمي والمناخ والبيئة.
TT

من يشجع الكراهية في المنطقة؟

في مؤتمره الصحافي مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأسبوع الماضي، هاجم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشدة ما وصفه بثقافة الكراهية المتجذرة في الفلسطينيين، معتبرًا أنها العقبة الأساسية أمام السلام. لم يرَ أن الاحتلال، أو التوسع الاستيطاني، أو ازدراء الفلسطينيين عقبة أمام السلام وسببًا في الأزمة وفي نشر الكراهية. ولم يتحدث عن أن في الجانب الإسرائيلي من ينشر أيضًا الكراهية، ويصف الفلسطينيين والعرب بالثعابين والقتلة وحثالة البشر. بل كان تركيزه فقط على تصوير الفلسطينيين على أنهم الطرف المعرقل للسلام والمحرض على الكراهية، والمسؤول عن العنف وعن الأزمة واستمرارها.
ترمب انضم أيضًا إلى نتنياهو في الحديث عن ثقافة الكراهية التي تلقن للفلسطينيين في المدارس ومنذ الصغر، قائلاً إنه يجب عليهم أن يتخلصوا منها وأن يعترفوا «بدولة عظيمة» مثل إسرائيل. وبالطبع فإنه في حماسه لمسايرة ضيفه، وتقديم نفسه على أنه أكثر الرؤساء الأميركيين قربًا لإسرائيل، لم تصدر منه أي إشارة إلى ما يمكن أن تسببه المعاناة التي يتعرض لها الفلسطينيون الذين لم تعرف أجيال منهم سوى الحياة في ظل الاحتلال. كذلك لم يكن واردًا أن يتطرق إلى أن أجواء الكراهية ليست حكرًا على طرف واحد بل موجودة في الطرفين.
أول من أمس أصدرت المحكمة العسكرية الإسرائيلية حكمًا مخففًا بالسجن 18 شهرًا على الجندي إليئور أزاريا الذي أدين بجريمة قتل الشاب الفلسطيني عبد الفتاح شريف، بينما كان ملقيًا على الأرض مصابًا بجروح خطرة. لم يبدِ الجندي ندمًا على فعلته بل كان مبتسمًا وفخورًا بنفسه، قائلاً إنه لا يجوز أن يبقى إرهابي حيًا. وطوال محاكمته تلقى دعمًا واسعًا خصوصًا في أوساط اليمين الإسرائيلي الذي انبرى للدفاع عنه وتصويره بطلاً يجب الاحتفاء به وليس محاكمته. ومارس وزراء في الحكومة ونواب في الكنيست ضغوطًا لإصدار عفو عنه، لكي لا يقضي يومًا واحدًا في السجن، لأنهم لا يعتبرون ما اقترفه جرمًا يستحق المحاكمة أصلاً ناهيك بعقوبة بالسجن.
الحكم أثار جدلاً وانقسامًا واسعين في إسرائيل، إذ كان هناك أيضًا من اعتبره تشجيعًا للجنود الإسرائيليين على ألا يخافوا من قتل الفلسطينيين ما دامت أن العقوبة ستكون أقل من عقوبة سرقة سلاح أو الهرب من الخدمة. وأشارت صحف إسرائيلية إلى أن الفلسطيني الذي يلقي الحجارة يمكن أن يسجن 18 شهرًا، بينما أزاريا الذي أدين بالقتل تلقى حكمًا مماثلاً، علمًا بأن الحد الأقصى للعقوبة التي كان يمكن أن تصدر بحقه هو 20 عامًا، لكن المحكمة رأت أن تحكم عليه بأقل من عُشر هذه المدة. صحيفة «هآرتس» ذهبت في افتتاحيتها إلى حد اعتبار الحكم المخفف بمثابة انحراف عن التقاليد المتوقعة من القضاء، بشكل جعله يبدو مثل التنازلات السياسية.
اللافت أن الجدل حول الحكم المخفف على هذا الجندي، تزامن مع الكشف عن أن التحقيقات في قتل فلسطيني آخر من النقب، هو يعقوب أبو القيعان، برصاص جنود إسرائيليين، تشير إلى أن الرجل قتل بينما كان داخل سيارته ولم يكن يشكل خطرًا على الجنود أو ينوي دهسهم كما قيل. فالمرجح الآن أن الجنود بادروا بإطلاق الرصاص مما أدى إلى إصابة أبو القيعان وفقدانه السيطرة على السيارة التي دهست نتيجة ذلك أحد الجنود مما أدى إلى وفاته.
نتنياهو عندما يحمل الفلسطينيين مسؤولية العنف وثقافة الكراهية، لا يتحدث في الواقع عن رغبة في تنمية ثقافة السلام والتعايش، بل يقدم مبررات لمواصلة السياسات التي أوصلت الأوضاع إلى ما وصلت إليه، ونسفت فرص وجهود السلام، وأشاعت أجواء اليأس والإحباط. فهو في المؤتمر الصحافي ذاته رفض اعتبار سياسة التوسع الاستيطاني وقضم الأراضي الفلسطينية سببًا في عرقلة جهود السلام، كما لم يرَ غضاضة في محاولة نسف حل الدولتين ومحاولة تمرير رؤية لوضع الفلسطينيين في كانتون حكم ذاتي، أو في دولة لا تسيطر على الضفة الغربية وتقبل بتبادل للسكان والأراضي يحقق لإسرائيل السيطرة التي تريد من دون أن يعطي الفلسطينيين أملاً في دولة مترابطة قابلة للحياة.
الكراهية التي يتحدث عنها نتنياهو موجودة بلا شك، في الطرفين وليس في طرف واحد، علمًا بأن هناك طرفًا محتلاً وآخر ضحية الاحتلال. سياسات هدم المنازل، والعقوبات الجماعية، وإغلاق المناطق الفلسطينية، وتحقير الفلسطينيين وإخضاعهم لمهانة الاحتلال، تسهم أكثر من أي مناهج دراسية في نشر الكراهية. ونتنياهو مهما استخدم من الفصاحة والشعارات فلن يستطيع أن يلغي أن في إسرائيل من يردد هتافات الموت للعرب، ويصف الفلسطينيين بالعرب القذرين وبالثعابين وحثالة البشر.
ثقافة الكراهية ستبقى وتنمو إذا لم يتحقق سلام عادل يضمن للفلسطينيين دولة قابلة للحياة. ومن دون استعداد إسرائيل لقبول مثل هذا الحل، سيتبخر الكلام عن أي فرصة تاريخية للسلام في إطار حل إقليمي مثلما بددت فرص أخرى منذ مبادرة السلام العربية، وربما قبلها.