حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

توقع ورؤية!

نقوم كل يوم بإجراء سلسلة غير بسيطة من التوقعات، نقف خلف إشارات المرور بسياراتنا وهي حمراء ونحن على يقين أنها ستصبح خضراء بعد لحظات، نختار الشوارع التي توصلنا إلى الجهة التي نقصدها بأسرع ما يمكن بناء على معلومات مخزنة في رؤوسنا من قبل، لدينا قدرة على توقع الطقس بقراءة الحراك الفلكي واتجاه الرياح، وغيرها من التوقعات الصغيرة واللافتة التي لم نعد نلتفت إليها لأننا اعتدنا عليها. وهناك حكمة عربية قديمة تقول «النار من مستصغر الشرر»، والمثل الشعبي المعروف الذي يقول «ليالي العيد تبان من عصاريها» كل هذه ما هي إلا وسائل للتوقع المبني على معطيات ومؤشرات.
في عام 1972 قام رجل الأرصاد الجوية الأميركي إدوارد لوريتز بكتابة بحث تحت عنوان «التوقع: هل تحريك جناحي فراشة في البرازيل يتسبب بإعصار في ولاية تكساس؟!»... كان من خلال الورقة يحاول التلميح إلى أن الأحداث الكبيرة يحركها أحيانًا حدث صغير يكون بعيدًا عن المتوقع، وفي خلال السياق نفسه يمكن القول إنه لولا أن صفعت سيدة الأمن التونسية بائع «البسطة» في مدينة سيدي بوزيد محمد البوعزيزي ومن بعدها قام بإحراق نفسه لما قام الربيع العربي وأحداثه المتتابعة. وبالتالي، ما أرغب في قوله هنا هو أن الإنسان بتعلمه وتجاربه وخبراته أصبح لديه القدرة على تحسين إمكانيات توقعه بدراسة العلامات والإشارات والمعطيات وبناء الفرضيات، سواء بالطرق البشرية أو بالدعم الحاسوبي، كما يحصل مع الكمبيوتر اليوم الذي أصبح قادرًا على هزيمة أهم أساطير لعبة الشطرنج في العالم بتجهيز كل فرضيات وحركات اللعب المتوقع. واليوم في الولايات المتحدة الأميركية عمومًا، وفي دوائر الاستخبارات فيها، هناك أكثر من 20 ألف محلل استخباراتي متفرغ هدفهم القيام بدراسة الفرضيات كافة، من اعتداء على غواصة إسرائيلية في المتوسط، إلى خروج اليونان من منطقة اليورو، إلى انقلاب عسكري في روسيا، وهكذا. وقد كان هناك حديث لي مع بعض الأصدقاء مؤخرًا عن الموضوع الذي لا ينتهي الحديث عنه وهو «رؤية السعودية 2030»، وكيف يمكن الوثوق فيما تصبو إليه، وبدأت الأسئلة تنهال عليّ تباعًا ما بين أسئلة فضولية وأسئلة مشككة، وأسئلة تطمح للمعرفة والعلم. قلت ليس كل الرؤى أو الاستراتيجيات تدرك فورًا، ولكن لها علامات ومؤشرات تبنى عليها، وهي أشبه بالبذر الذي ما تم حصاده سيكون فاكهة وثمارًا.
وودت التركيز معهم على نقطة طالما كانت تلقى السخرية والمزاح والاستخفاف، وهي مشروع هيئة الترفيه، لم يعد سرًا خافيًا على أحد أن السعوديين هم أكثر شعوب العالم ترحالاً وسفرًا, بحثًا عن المتنفس والمتعة البريئة التي قد لا يجدونها في بلادهم، وهم حينما يقارنون الخيارات بين ما هو متوفر محليًا وخارجيًا تكون المقارنة صعبة، وبالتالي تزايد الإحساس بالملل لدى الشباب فيهم بالذات، ومن حقهم التام الترفه والتمتع في بلادهم من خلال هذا التحدي «الفكري والثقافي» لعقلية استقرت على مدى السنوات على قالب متحجر ينظر بغرابة وكره لفكرة الترفيه، وفي فترة بسيطة بدأت ملامح برامج الترفيه تظهر وتكون الأحاديث عنها بالإيجاب، وهي في الوقت نفسه توفر الأموال التي كانت ستصرف بالخارج ووفرت الكثير من الفرص الوظيفية لأبناء البلاد.
لقد أصبح الترفيه في السعودية واقعًا بعد أن كان ضربًا من الخيال والمستحيل. إنها حركة الفراشة في البرازيل. تمامًا كما أن السعي للسعادة مادة وحق أساسي في الدستور الأميركي أصبح الترفيه في السعودية خيارًا واقعيًا.
الرؤية مشروع أمل، وعندما سألني أحد الصحافيين الأوروبيين: كيف يرى السعوديون رؤية الأمير محمد بن سلمان، قلت له، إنهم يثقون بالرؤية لأن الأمير يمثل 60 في المائة من السعوديين الذين هم مستقبل البلاد وروحها.