فايز سارة
كاتب وسياسي سوري. مقيم في لندن. عمل في الصحافة منذ أواسط السبعينات، وشارك في تأسيس وإدارة عدد من المؤسسات الإعلامية، وكتب في كثير من الصحف والمجلات، ونشر دراسات ومؤلفات في موضوعات سورية وعربية. وساهم في تأسيس العديد من التجارب السياسية والمدنية.
TT

المعارضة أمام بوابة جنيف

أثار تهديد ستيفان دي ميستورا بأنه سيشكل وفد المعارضة إلى «جنيف» المقبل في 20 فبراير (شباط)، إذا فشلت المعارضة في تشكيله، حفيظة البعض فاستنكره، وأيد البعض فكرة أن يقوم دي ميستورا بهذا الدور، وشرع المختلفون في الردود المتبادلة، وكل يطرح مستنداته وحيثياته التي تدعم وجهة نظره، فيما قام البعض وكعادة النقاش السوري بأخذ النقاش خارج الدائرة إلى موضوعات أخرى، وهو سلوك يهمش القضية في وقت تحتاج فيه إلى الحسم، فليس لدى المعارضة وقت طويل من أجل تشكيل وفدها، وهو حق من حقوقها، لا نقاش فيه، لكن كيف، وأعتقد أن هذا جوهر المشكلة.
تنقسم المعارضة السورية إلى جماعات وتكتلات، وقد ذهب قسم رئيسي فيها إلى الرياض وسط دعم دولي وإقليمي ظاهر. وهناك انتخبت الهيئة العليا للمفاوضات قبل أكثر من عام مضى، لتكون جسمًا يفاوض النظام عندما تحين فرصة المفاوضات من أجل حل سياسي استنادًا إلى محددات أعلنها المشاركون في مؤتمر الرياض، وكان الأمل أن تخطو الهيئة العليا للمفاوضات خطوات عملية نحو تحسين بنيتها بضم ممثلين آخرين من جماعات المعارضة، وأن تقوم بخلق تفاهمات وتناغم بين أعضائها، وتوسع آفاق رؤيتهم، تطور قدراتهم ومهاراتهم، إضافة إلى تفاعلها مع التطورات الجارية والمتلاحقة للقضية السورية وبيئتها الإقليمية والدولية، الأمر الذي يعني بالإجمال، جعل الهيئة العليا للمفاوضات جسمًا ديناميكيًا نشطًا وفعالاً، فاهمًا ومتفهمًا ومتفاعلاً من أجل هدف الوصول إلى حل للقضية السورية بأسرع ما يمكن، يستجيب لمصالح سوريا والشعب السوري.
والحق فإن الاتجاه العام لمسيرة الهيئة العليا للمفاوضات، ذهب في اتجاهات أخرى؛ فبنية الهيئة بدل أن تتعزز وتتقوى، ذهبت إلى التفتت، وبعض الذين كانوا في عدادها لم يحضروا ولو اجتماعًا واحدًا من اجتماعاتها، والبعض غادر بعد اجتماعات قليلة، فيما مشاركة البعض تبدو صورية، ولم يتم ترميم الهيئة أو استبدال المغادرين، وعجزت عن إدخال ممثلين عن جماعات معارضة لم تشارك في مؤتمر الرياض، كما عجزت عن تطوير قدراتها والاستفادة من طاقات سورية، يمكن أن تحدث تبدلاً نوعيًا في قدرات الهيئة السياسية والإعلامية والتقنية من أجل تحقيق أهدافها. كما عجزت الهيئة عن تطوير أفكار ومبادرات وتكتيكات وأدوات، تساعدها في عملها وفي تجاوز العقبات، التي اعترضتها في المستويات السورية والإقليمية والدولية، وقد كانت كثيرة ومتزايدة.
وحتى لا نظلم الهيئة العليا للمفاوضات فيما قصرت به أو عجزت عنه لأسباب تخصها، فإن البيئة المحيطة بها وبعملها، لم تكن إيجابية في المستويات السورية (وخاصة المعارضة) والإقليمية والدولية، ولم تساعدها، بل إن عقبات جدية خلقت أمام الهيئة ودورها، والأهم فيها سعي بعض الأطراف نحو خلق موازيات للهيئة، بدل دفع هذه الموازيات إلى الاندماج في الهيئة والتفاعل معها، وهو ما ترافق مع التخلي الدولي عن دعم الهيئة، وسعي مجموعة توافقات إعلان موسكو، التي تضم روسيا وإيران وتركيا إلى تهميشها بفتح خط التفاوض مع تشكيلات المعارضة المسلحة، بما يعنيه ذلك من إعدام للهيئة ودورها، أو تعطيل حركتها على الأقل.
وإذا كانت الهيئة العليا للمفاوضات لم تستطع تشكيل وفد للمفاوضات منفردة، فإن العجز يشمل الموازيات الأخرى من جماعات المعارضة، لكنه لا يعني أحقية مبعوث الأمم المتحدة القيام بذلك حسبما أعلن دي ميستورا، ليس بسبب أن ذلك ليس من صلاحياته وهذا أمر مفروغ منه، بل لأنه أثبت طوال المرحلة الماضية عدم قدرته على جمع أطراف المعارضة، وسعيه لتركيب مجموعات وتكتلات ترتبط به، شوشت على فكرة وحدة وفد المعارضة في مفاوضات مقبلة مع نظام الأسد نحو حل سياسي.
وإزاء واقع الانسداد القائم في تشكيل وفد للمعارضة إلى مفاوضات جنيف المقبلة يمكن القول إن على المعارضة أن تتجاوز ما درجت عليه في العلاقات وفي النظرة إلى وفد المفاوضات، وأن تدرك خطورة ما صار إليه الحال، واعتبار كلام دي ميستورا بمثابة جرس إنذار، والذهاب نحو تشكيل وفد موحد أو على الأقل أكثر تمثيلاً، بحيث يجمع ما أمكن من قوى المعارضة الأساسية من الهيئة العليا للمفاوضات (التي تضم الائتلاف وهيئة التنسيق والتشكيلات المسلحة) إضافة إلى منصة القاهرة (ذات التمثيل الواسع) وكل من منصتي موسكو وآستانة، وضم بعض الشخصيات المهمة من خارجها، مما يعزز قوة وفد المعارضة في المفاوضات.
ولا يحتاج إلى تأكيد أن فشل المعارضة في الوصول إلى تشكيل وفد قوي للمفاوضات سوف يعزز فرص قيام الآخرين سواء من الأمم المتحدة أو من المجموعة الدولية أو الدول الرئيسية الفاعلة مثل الولايات المتحدة وروسيا وبعض الدول الإقليمية والعربية بمهمة تشكيل وفد سوري يفاوض النظام، إذا كانت التوجهات الدولية والإقليمية جادة في المضي نحو حل سياسي للقضية السورية، ولا شك أن الفرصة اليوم قد تكون أفضل الفرص فيما مر من سنوات على الوضع السوري، وخاصة لجهة التغييرات الرئاسية في الولايات المتحدة، أو في تصعيد الدور الروسي بالتعاون مع تركيا بعد معركة حلب، وفي الرغبة الأوروبية المؤكدة في وقف تداعيات الصراع السوري على أوروبا.
كما أن تشكيل وفد المعارضة للمفاوضات من جانب غير السوريين، قد يجعله قابلاً للتفاوض مع النظام وفق رؤية وشروط، أقل من رؤية المعارضة وشروطها، مما ينتج حلاً يكون الأقرب لتصورات نظام الأسد وحلفائه من الإيرانيين والروس، والأسوأ مما سبق كله أن يتم تشكيل وفد من صنائع النظام وحلفائه، يدخل في مفاوضات تأخذ السوريين إلى متاهات، تجعل أزمتهم تمتد لسنوات طويلة، تزيد معاناة السوريين، وتعيد تسويق النظام في المحيطين الإقليمي والدولي.