سليمان جودة
رئيس تحرير صحيفة «الوفد» السابق. كاتب العمود اليومي «خط أحمر» في صحيفة «المصري اليوم» منذ صدورها في 2004. عضو هيئة التحكيم في «جائزة البحرين للصحافة». حاصل على خمس جوائز في الصحافة؛ من بينها: «جائزة مصطفى أمين». أصدر سبعة كتب؛ من بينها: «شيء لا نراه» عن فكرة الأمل في حياة الإنسان، و«غضب الشيخ» عن فكرة الخرافة في حياة الإنسان أيضاً.
TT

المهم في خطاب الرياض... والأهم

الخطاب الذي ألقاه خادم الحرمين الشريفين، في الرابع عشر من هذا الشهر، مفتتحًا به أعمال السنة الأولى من الدورة السابعة لمجلس الشورى السعودي، كله مهم، ولكنه شأنه شأن كل خطاب لكل رجل سياسة، يظل فيه المهم، وفيه الأهم.
فيه المهم عن الشأن الاقتصادي الداخلي، وفيه الأهم عن الشأن السياسي الخارجي.
أتوقف عند الشق الثاني لأن «الشرق الأوسط» كانت موفقة إلى حد بعيد، وهي تضع له هذا العنوان، نقلاً عن الملك: لن نسمح باستخدام اليمن لاستهداف السعودية.
أما التفاصيل فلقد جاءت على لسان خادم الحرمين كما يلي: إن أمن اليمن، الجار العزيز، من أمن السعودية.
ثم قال: لن نقبل بأي تدخل في شؤونه الداخلية، أو ما يؤثر على الشرعية فيه، أو يجعله مقرًا، أو ممرًا، لأي دول أو جهات، تستهدف أمن المملكة والمنطقة، والنيل من استقرارها.
إنني أراه الأهم لأنه يوضح لكل ذي عينين، أن قيادة السعودية العليا ملتفتة بما يكفي، إلى أن اليمن يمكن أن يكون ممرًا غير مباشر للذين يريدون أن يستهدفوا الرياض، أو ينالوا منها، ولا يعرفون كيف، ثم يتصورون في لحظة أن اليمن، كأرض، توفر لهم هذا الممر!
إن الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، كان يتحدث في التاسع من هذا الشهر نفسه، أمام ممثلي حزب المؤتمر الشعبي الذي يرأسه، في الحكومة التي أعلنها هو في صنعاء مع الجماعة الحوثية من جانب واحد، فقال ما معناه، إنه مع الحوثيين على استعداد لوقف استهداف جنوب المملكة بالصواريخ، إذا ما أوقف التحالف الذي تقوده السعودية طلعاته الجوية فوق اليمن!
وهو يعرف بالقطع أن السعودية تسعى مع حلفائها إلى وقف، ليس فقط الطلعات الجوية، وإنما وقف الحرب ذاتها نهائيًا، وأن جبهة الحوثي التي يحارب فيها صالح، كانت أول منْ يخرق الوقف المؤقت للحرب في كل مرة، ثم هو يعرف أيضًا أن السعودية لا يسعدها الذهاب إلى الحرب في اليمن، ولا في غير اليمن، وأن كل ما في الأمر أنها لم يكن من الممكن لها أن تقف ساكتة، وهي ترى أن هناك أطرافًا تتخذ من الأرض اليمنية، تارة، ومن الجماعة الحوثية، تارة أخرى، مظلة تستهدف من تحتها الأراضي السعودية!
ولذلك، فإن خادم الحرمين الشريفين لم يشأ أن يدع فرصة خطابه تمر، دون أن يعيد التأكيد فيها من جديد، على أن الحل في اليمن سياسي، وأن مثل هذا الحل محكوم في كل أحواله بأشياء ثلاثة يعلمها صالح، وغير صالح، وهي: قرار مجلس الأمن 2216، والمبادرة الخليجية، وأخيرًا مخرجات الحوار الوطني.. فما معنى أن يقول الملك سلمان بهذا الوضوح، إن الحل في اليمن سياسي بالأساس؟!.. معناه أن حرب قوات التحالف في اليمن ليست هدفًا في حد ذاتها، وأن الحل السياسي حين يتاح، كخيار، سوف تتوقف الحرب على الفور، وهو خيار في يد صالح والحوثي، أكثر مما في يد أي طرف آخر.
غير أني وددت لو أن المملكة انتبهت إلى أن هناك من يريد استنزافها، بمثل ما يرغب آخرون في استهدافها..
إنني أعتقد أن القيادة في المملكة تعي بما يكفي، أن الاستنزاف عندها للبلاد، غير مسموح به كالاستهداف تمامًا، وأن كليهما مرفوض بالسواء.
إن استهداف الأراضي السعودية عبر اليمن، لا أظن أنه في حاجة إلى دليل، فالدليل قائم، وماثل، في الصواريخ الحوثية التي انطلقت صوب منطقة مكة المكرمة، مرة، وصوب مدن الجنوب السعودي، مرات، وأغرب ما في هذا الاستهداف، أن الرياض لما دعت إلى اجتماع على مستوى وزراء خارجية الدول الإسلامية، للبحث فيه، وخصوصًا الجانب الخاص باستهداف منطقة مكة منه، غابت عن الاجتماع طهران، دون أن تنتبه إلى أن في غيابها تثبيتًا للمسؤولية عن الاستهداف في حقها!
وليس أمام كل مسلم، بل كل عربي، إلا أن يكون ضد الفعل في حالتيه، سواء كان استهدافًا، أو استنزافًا، لأنه كفعل ينال من الأراضي المقدسة، بمثل ما ينال من الأراضي السعودية بالإجمال، وربما نال من الأولى أكثر!