طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

جندي أم جنرال؟!

شعور الفنان وهو داخل الملعب يختلف تمامًا عندما يجد نفسه وقد أصبح خارج رقعة الإبداع. فقدنا في الأسبوع الماضي نجمة ارتبطت بأحلام جيل، وعاشت مرحلة وهج ونجومية طاغية، ثم أدار الزمن لها ظهره، أو ربما لم تستطع أن تستوعب مفرداته الجديدة. وكما يحدث كثيرًا في مثل هذه المواقف، ينطفئ النور، ويتوقف رنين التليفون، ولا تعثر على أثر يذكر لشركات الإنتاج، ويتراجع تهافت وشغف المعجبين. أتحدث طبعًا عن الفنانة الكبيرة زبيدة ثروت، التي بدأت رحلة الانزواء سريعًا في السبعينات بعد أن كانت الجماهير تنسج لها من الخيال قصة حب مع عبد الحليم حافظ الذي شاركها بطولة أشهر أفلامها «يوم من عمري». صار الجمهور يحصر مشوارها في فيلم واحد؛ بل وفي بطل واحد. زبيدة كثيرًا ما أشارت في أكثر من حوار إلى أن عبد الحليم تقدم للزواج طالبًا يدها من والدها، ولكنه رفض قائلاً: كيف تتزوج ابنتي من مغنواتي؟ رغم أنها تعمل في الوقت نفسه ممثلة!!
عاشت زبيدة أكثر من 40 عامًا في الظل، ولكن بالطبع «الميديا» بين الحين والآخر كانت تطرق بابها، وهي على الجانب الآخر لم تتوقف عن منح الإعلام شيئًا مما يتوقون إلى سماعه، وبالتأكيد حكايتها مع عبد الحليم حافظ تتصدر الحوار. ولا أملك بالطبع دليل نفي أو إثبات حول صحة ما تردد عن رغبة حليم في الارتباط بها، ولكن بالمناسبة لا أستبعد هذا، حيث إن أكثر من فنانة؛ بل ومذيعة شهيرة، روت لي حكايات متشابهة، إلا أن ما يتبقى عبر الزمن ليس تلك القصص، ولكن الإنجاز على الشاشة هو الذي يعيش، وسنتذكر لزبيدة بالتأكيد «يوم من عمري».
وعندما نتوقف أمام الفن الذي يعيش، على الفور يصعد اسم راحل آخر افتقدناه مؤخرًا، هو أحمد راتب، بدأت موهبته تنضج تقريبًا في المرحلة نفسها التي بدأت فيها زبيدة رحلة الانسحاب، وهو مثل أي فنان كان يتمنى أن ينال البطولة، وبالفعل راهن عليه البعض، ولكن الجماهير كان لها رأي آخر، فلقد اقتنعوا به ممثلاً، ولم يتحمسوا له نجمًا. كان من الممكن في أعقاب تلك الهزيمة أن يتوقف قطار راتب عن الانطلاق، ولكنه صاحب موهبة حقيقية، فلقد استوعب الموقف، وقرر أن يُصبح بطلاً حتى في المساحات الدرامية الصغيرة التي أتيحت له، وصار ورقة فنية رابحة. صحيح، بلغة السوق، لم تكن الورقة بمفردها تحقق الجماهيرية، ولكن الأدوار التي قدمها راتب، وضعته على القمة.
كان لدى راتب عتاب على الإعلام، وباح لي ببعض شكاواه، كان يتصور أن الصحافة والفضائيات تمنح النجوم مساحة كبيرة من الاهتمام، بينما الفنان الذي، من وجهة نظرهم، ليس نجمًا، لا يوضع مطلقًا في «المانشيت». كنت أقول له إن محمود المليجي لم يعرف البطولة في السينما، ولكن عندما نذكر السينما المصرية يصعد على الفور اسم المليجي. كان راتب ينتمي لتلك المدرسة، حتى إنه لم يغب مطلقًا عن الشاشة، كان يعرض له قبل أسبوع آخر أعماله؛ فيلم «مولانا» الذي أطل به على الناس، في مهرجان «دبي»، ولديه أعمال فنية أخرى سنراها تباعًا، فلقد كان يردد شعار محمود المليجي: «أفضل لي أن أظل جنديًا في الميدان على أن أصبح جنرالاً متقاعدًا».
وعلى الجانب الآخر، يبدو أن زبيدة ثروت لم تستطع يومًا أن تنسي البطولة، فاختارت أن تعيش 40 عامًا جنرالاً متقاعدًا!!