وليد أبي مرشد
صحافيّ وكاتب وخبير اقتصادي لبنانيّ
TT

رمال سوريا المتحركة

يُروى عن رئيس الحكومة البريطانية الراحل، هارولد ويلسون (1916 - 1995)، قوله لمحازبيه، في خطاب انتخابي، إن «الأسبوع الواحد فترة زمنية طويلة في عالم السياسة» (A week is a long time in politics).
إذا كان هذا صحيحًا في الغرب، وفي ظل أحوال طبيعية.. فكيف يكون في الشرق وفي ظل أحوال استثنائية؟
نحو مائتين وستين أسبوعًا مرّت على حرب سوريا الأهلية، وتقلّبات تحالفات اللاعبين على ساحتها لا تزال مفتوحة على كل الاحتمالات.
لم يعد خافيًا أن حرب سوريا الأهلية، كحرب لبنان قبلها (1975 - 1989)، صادرها «الآخرون»، ويتحكمون في مصيرها وفق مصالحهم الإقليمية والدولية.
ولكن، إذا كان يجوز إدراج الحربين تحت عنوان واحد، أي «حرب الآخرين على أرضهما»، فإن الشبه بين الحربين يقف عند هذا الحد نتيجة فارق نوعي في التدخل قد يظهر تأثيره على التسوية فور توقف العمليات الحربية، إنْ هي توقفت تمامًا.
في لبنان، خاض «الآخرون» حربهم «بالوكالة». أما في سوريا فهم يخوضونها «بالأصالة»، وبتورط مباشر، الأمر الذي يفسر تلازم التقلبات الميدانية على ساحة المعارك مع تحولات «الآخرين» السياسية.
قد لا يكون من المبالغة في شيء القول إنه لم يعد للسوريين كبير شأن في حربهم الأهلية. وإذا كان معظم المعلقين السياسيين يجمعون على أن مصادرة روسيا (وبدرجة أدنى إيران) لحرب النظام السوري على انتفاضة شعبه غيّرت مجرى المواجهة وحرفت مصيرها، فإن تطوراتها الميدانية المرتبطة بالمواقف السياسية المتبدلة للاعبين الخارجيين ما زالت مفتوحة على كل الاحتمالات.
أحدثها، وقد لا يكون آخرها، موقف مصر (المتطلعة لاستعادة موقع الزعامة العربية)، الذي أصبح اليوم «أكثر تفهمًا» لموقف النظام السوري.
وسط المناخ المذهبي المتوتر في المنطقة، تبرر مصر «تليين» معارضتها لنظام الأسد بما تعتبره «وحدة حال» على صعيد التصدي لإرهاب الحركات الإسلامية المتشددة. ورغم أن أولوية النظام المصري مواجهة «الحركات التكفيرية السنية» فذلك لا يلغي توجسه مما قد يستتبعه، على المدى الطويل، تجذّر نفوذ الثيوقراطية الشيعية الإيرانية في سوريا من تحدٍّ لدور مصر الشرق أوسطي.
وبدورها، تعكف تركيا - الدولة السنية (غير العربية) الأقوى عسكريًا في المنطقة - على إعادة تموضعها الميداني في سوريا عبر تقليص دعمها العسكري للفصائل المعارضة للنظام، وحتى التغاضي بعض الشيء عن موجبات ارتباطها الأطلسي بواشنطن للتقرب من روسيا، والتوصل إلى تفاهم معها في شمال سوريا.
معطيان دوليان يضفيان أهمية سياسية على تحولات «الآخرين» في مواقفهم من النزاع السوري:
- حصول هذه التحولات في وقت تعيد فيه معظم الدول العربية تقييم علاقاتها مع الولايات المتحدة على ضوء فوز دونالد ترامب بسباق الرئاسة.
- تزامنها مع تكريس روسيا لنفوذها المتنامي في سوريا، والشرق الأوسط ككل، على خلفية تقلّص النفوذ الأميركي التقليدي في المنطقة، وربما «غض طرفه» عنه.
ولكن، رغم التحولات الطارئة على مواقف «الآخرين» من حرب سوريا الأهلية، والتقدم الذي حققه النظام على جبهة حلب بمؤازرة «الآخرين»، لا يبدو أن رمال سوريا المتحركة مرشحة لأن تستقر على حال في المدى القريب. وإذا جاز إدراج الحربين الأهليتين، اللبنانية والسورية، تحت عنوان واحد؛ «حرب الآخرين على أرضهما»، فإن ثمن التدخل المباشر في الحرب السورية سيجعل ثمن تسوية نزاعها أعلى بكثير من ثمن تسوية التدخل (بالوكالة) في لبنان، إضافة إلى أن كثرة اللاعبين على الساحة السورية وتنوع مصالحهم (إنْ لم يكن تضاربها) من شأنه تعقيد تسوية نزاعها، وربما التسبب بحرب عصابات تخلف أسلوب الحرب الراهنة.. وأخيرًا، وفي حال استمرار المواقف العربية من نظام الأسد على حالها، سيكون لغياب الدور الضروري (للحاضنة العربية) للتسوية تأثير سلبي على شرعية هذه التسوية.
باختصار، «سلام الآخرين» في سوريا لن يكون أقل تعقيدًا من حربهم ولا أسهل منالاً.