راجح الخوري
كاتب لبناني
TT

عون والحريري و«الجهاد الأكبر»!

في اجتماعه الأخير مع كتلته النيابية جلس الجنرال ميشال عون مرتاحًا إلى أن حلم العمر قد تحقق، ساعات وسيعود إلى «قصر الشعب» في بعبدا الذي ينام في فراغ رئاسي منذ عامين ونصف العام، قال لنوابه: «أنا طالع الاثنين إلى القصر، وستتابعون اجتماعاتكم الأسبوعية في الرابية.. سأسعى إلى تأليف حكومة وحدة وطنية، وأنا حريص على تطبيق الميثاقية».
لكن في غضون ذلك، كانت قد وصلت تصريحات الرئيس نبيه بري الساخنة من جنيف، حيث عُقدت الجمعية العامة للاتحاد البرلماني الدولي، عندما ألقى مياهًا باردة على المشهد بالقول إن انتخاب رئيس للجمهورية في 31 من الشهر الحالي، أي الاثنين، ضروري لكنه غير كافٍ، لأن «بعده يأتي (الجهاد الأكبر) المتعلّق بالاستحقاقات الكبرى»!
وأوضح أن ما يقصده بري هو أنه إذا كان وصول عون إلى رئاسة الجمهورية هو «الجهاد الأصغر»، فإن مسيرة العهد والحكم هي «الجهاد الأكبر»، الذي سيكون على الرئيس سعد الحريري أيضًا أن ينخرط في متاعبها والمشقات، خصوصًا أن التفاهم بين الحريري وعون جرى على أساس أن يعود الحريري إلى السرايا.
قبل الحديث عن هذا «الجهاد الأكبر» الذي ينبع طبعًا من العودة الحتمية إلى «سلة التفاهمات الوطنية» التي كان بري قد دعا إليها تسهيلاً لانطلاق العهد الجديد، يتعيّن التوقف قليلاً أمام الخطاب السياسي الذي رافق هذا التطور في الاستحقاق الرئاسي، ذلك أن الحريري وصف تأييده لترشيح عون بأنه عبارة عن «مخاطرة سياسية كبرى»، لكن بعد أقل من 24 ساعة جاءه الجواب من السيد حسن نصر الله، الذي وصف الموافقة على عودة الحريري إلى رئاسة الحكومة بأنها «مخاطرة سياسية كبيرة».
غريب، على الأقل لأن المخاطرة عمليًا ليست في تولي السلطة، سواء بالنسبة إلى رئيس الجمهورية أو إلى رئيس الحكومة، بل هي في طريقة ممارسة هذه السلطة، وهنا فإن السؤال الذي يبرز سريعًا هو: إذا صعد عون بعد غد (الاثنين) إلى بعبدا وعاد الحريري بعد أسبوعين مثلاً إلى السرايا، ماذا سيتغير في مسار الواقع اللبناني، وهل سنكون أمام عهد جديد يعالج أزمات لبنان الثقيلة على جميع المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية والحياتية، أم أننا سنكون أمام عهد جديد يراوح داخل الحلقة المفرغة للأزمة القاتلة التي تخنق لبنان ولن يتمكن إلا من إدارة هذه الأزمة وهو ما سيزيد فصولها تعقيدًا؟
في خطاب الحيثيات التي ساقها الحريري تبريرًا لدعمه ترشيح عون وبهدف إنهاء أزمة الفراغ الرئاسي التي باتت تهدد مؤسسة الدولة اللبنانية، قال: «لقد اتفقنا مع عون على تحييد لبنان عن الأزمة السورية»، لكن بعد أقل من 24 ساعة قال نصر الله: «إن الحال الوحيدة التي تعيدنا إلى لبنان هي انتصارنا في سوريا، أي عندما ينتصر مشروعنا، وينتهي المشروع الآخر»!
وبإزاء هذا، لا يقتصر طرح السؤال على الحريري وكيف سيتمكن من تطبيق اتفاقه مع عون على تحييد لبنان، بل يتناول عون تحديدًا، الذي رفع ويرفع دائمًا شعارات الرئيس القوي والدولة القوية، فكيف ستقوم دولة قوية في لبنان الذي يجرّه «حزب الله» إلى الانخراط ليس فقط في الأزمة السورية التي تُطبق عليه، بل في أزمات المنطقة من العراق إلى اليمن إلى البحرين، وفي إطار صراع إقليمي كبير وعميق، يتأجج نتيجة التدخل الإيراني في دول المنطقة، الذي وصل إلى حد إعلان المسؤولين في طهران أنهم باتوا يسيطرون على أربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت، فإذا كانت بيروت قد باتت تحت السيطرة الإيرانية فعلا، فماذا يمكن لعون والحريري أن يفعلا للخروج من هذه الدوّامة؟
هذا هو السؤال الأساسي الذي سيواجه عون عندما يجلس على كرسي الرئاسة، إذا أراد فعلاً أن يسحب شعار التغيير الإصلاح على العهد الجديد، وهذا هو السؤال الأساسي الذي سيطرحه اللبنانيون على الحريري: أين أصبح اتفاقك مع عون على تحييد لبنان عن الأزمة السورية؟! هذا إذا لم تستجدّ، من خلال الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف الحريري بتشكيل الحكومة الجديدة، معطيات مفاجئة، وتظهر أفخاخ منصوبة منذ الآن قد تمنعه من دخول السرايا!
ومن هذا المنطلق، وفي غياب أي تفصيل عن التفاهمات التي حصلت بين عون والحريري، وأدت إلى هذا التطور، وكذلك في غياب أي برنامج أو إعلان واضح ومفنّد للحكم الذي سينفذه العهد الجديد، وعلى افتراض أن اللبنانيين والعرب والعالم وقفوا، يوم الاثنين، لسماع خطاب القسم الذي سيلقيه عون بعد انتخابه، فماذا سيقول لهم عن طوفان من الملفات الدقيقة والحساسة المتصلة بالأوضاع الداخلية والخارجية، خصوصًا في ظل تحالفه المتين مع «حزب الله»، الذي تعتبره فئات لبنانية واسعة في مقدمها أوساط «تيار المستقبل» أساس الأزمة التي تمسك بخناق لبنان؟
ماذا سيضيف عون؟ وكيف سيشرح آليات تطبيق اتفاقه مع الحريري على تحييد لبنان عن الأزمة السورية، خصوصًا في ظل تأكيد نصر الله أنه لن يعود إلى لبنان قبل انتصار المشروع الإيراني في سوريا؟ وهل سيدعو مثلاً إلى إحياء «إعلان بعبدا» عن حياد لبنان الذي اتفق عليه الجميع أولاً ثم قال لهم «حزب الله» ساخرًا: «انقعوه واشربوا زومه»؟
وماذا سيقول في خطاب القسم عن وحدانية السلاح في يد الدولة، وعن موقفه من سلاح «حزب الله»، وعما سبق أن تم التطرق إليه في طاولة الحوار حول استراتيجية الدفاع الوطني، ومصير كل سلاح خارج سلطة الدولة؟! ثم ماذا وماذا عن علاقات لبنان مع الدول الخليجية تحديدًا والدول العربية عمومًا، خصوصًا بعد المواقف التي كان صهره الوزير جبران باسيل قد اتخذها في الاجتماعات العربية وسببت امتعاضًا واسعًا، خصوصًا في دول الخليج؟
في هذا السياق، تبرز مسألة شكل الحكومة الجديدة والعقد الهائلة حول توزيع الحصص والحقائب فيها، وإذا تذكرنا أن الخلافات العاصفة التي رافقت تشكيل حكومات الحريري ونجيب ميقاتي وتمام سلام، يمكن فهم المدخل إلى «الجهاد الأكبر»، ثم إذا كان الخلاف على إيراد جملة «الجيش والشعب والمقاومة»، في نص البيان الوزاري استمر سبعة أشهر سابقًا، فليس من المبالغة أن يتحدث بري عن هذا «الجهاد الأكبر»، وعلى افتراض أن بري قاطع العهد وحكومته، هل يستطيع عون والحريري تشكيل حكومة تقتصر المشاركة الشيعية فيها مثلاً على وزراء «حزب الله»؟ وكيف سيتعامل الخليجيون والعرب والعالم معها.. ومع لبنان الباحث عن مخرج من أزماته الخانقة؟