سليمان جودة
رئيس تحرير صحيفة «الوفد» السابق. كاتب العمود اليومي «خط أحمر» في صحيفة «المصري اليوم» منذ صدورها في 2004. عضو هيئة التحكيم في «جائزة البحرين للصحافة». حاصل على خمس جوائز في الصحافة؛ من بينها: «جائزة مصطفى أمين». أصدر سبعة كتب؛ من بينها: «شيء لا نراه» عن فكرة الأمل في حياة الإنسان، و«غضب الشيخ» عن فكرة الخرافة في حياة الإنسان أيضاً.
TT

كوبلر ليس مبعوثًا من الهلال الأحمر!

نقلت وكالات الأنباء عن عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب الليبي، قوله إن مارتن كوبلر، المبعوث الدولي إلى ليبيا، قد فشل في مهمته فشلاً ذريعًا!
وأعاد صالح فشل كوبلر إلى عدم خبرته في خصوصيات المجتمع الليبي، ثم إلى اعتماده على أشخاص غير فاعلين في ليبيا، وأنه، أي كوبلر، يعمل على تفتيت الشعب في الدولة الليبية.
قرأت كلام الرجل، المنشور في أكثر من صحيفة، ثم أعدت قراءته، لأستوعبه من جديد.
أما إن كوبلر غير خبير في خصوصيات المجتمع الليبي، فهذه قد تكون صحيحة، غير أنها لا تنفي إلمامه بالقضية الليبية، ولا تنفي أنه قد قرأ عن مهمته في ليبيا، جيدًا، قبل أن يبدأها، ولا تنفي أيضًا، أنه يعرف لماذا جاء بالضبط، وماذا عليه أن يفعل في ليبيا، على وجه التحديد!
إن رئيس البرلمان الليبي، سوف يكون في غاية الطيبة، وسوف يكون حسن النية لأقصى حد، إذا تصور، ولو للحظة واحدة، أن المبعوث الدولي قد جاء ليجد حلاً للملف الليبي المعقد، بحيث تنتقل البلاد على يديه من مرحلتها الفوضوية الحالية، إلى أعتاب مرحلة تكون فيها هناك دولة مستقرة، أو شبه مستقرة، وتكون فيها مؤسسات تعمل.
إن كوبلر مبعوث دولي، وهو قادم في حدود علمنا من الأمم المتحدة في نيويورك، وليس من مؤسسة الهلال الأحمر الدولية الخيرية، ولهذا السبب، ولهذه الخلفية، فإنه يعمل وفق ما ترى الأمم المتحدة، وترغب، وليس وفق ما يحب كل ليبي ويرجو!
ولم نعرف بعد، أن السيد بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، الذي جاء كوبلر مبعوثًا منه، يتدخل في مشكلة في العالم، من أجل حلها بجد، أو حتى التخفيف من وطأتها على أطرافها المحلية، ولكنه يتدخل، ويرسل مبعوثيه، وفق ما ترى الدول الكبرى التي تدفع راتبه، وتدفع أيضًا راتب كوبلر!
أمامنا مبعوث بان كي مون، في سوريا، السيد دي ميستورا.. ماذا قدم هناك، سوى أنه يخرج، كل فترة، أمام الكاميرات، ليبشرنا بأن مهمته مستمرة، وأنه سوف يحاول مرة أخرى، فلا تكون محاولته، أحسن حظًا، في مرتها الثانية، ولا العاشرة.. وكأنه، مع الذين أرسلوه من نيويورك يتغذون على الدم السوري!
بل ماذا فعل السيد إسماعيل ولد الشيخ أحمد في اليمن؟!
لم تكن حصيلته في اليمن السعيد، لا شيء، وفقط، ولكنه في وقت من الأوقات، بدا منحازًا إلى الطرف الحوثي، مع أنه مبعوث «دولي» وأقصد بـ«دولي» هنا، أن صاحبها نفترض فيه الحياد قدر الإمكان، ونتوقع منه الموضوعية في التعامل مع الملف المطروح بين يديه، قدر المُستطاع!
لقد مكث ولد الشيخ أحمد، مع الحوثيين في الكويت 90 يومًا، كانت كافية للحل، فإذا كان قد أراده، ثم لم يصادف جدية من الحوثي، فلقد كان عليه أن يخرج ليعلن أمام كاميرات العالم، أن طرفًا بعينه في الأزمة، غير جاد، وأنه يتحرك من إيران، وليس من دماغه، ولا من وطنيته اليمنية المفترضة، وأنه لا يستحق ثقة أي يمني فيه!
هذا ما ننتظره من أي مبعوث دولي، وهذا ما نتوقعه، وإلا، فإنه يظل يدير الأزمة، ولا يحلها، بالضبط كما هو الحال في الملف الفلسطيني الإسرائيلي في كل مرة يتدخل فيها طرف أميركي.. إنه يظل يقلب في الملف، ويظل يبحث في المبحوث فيه، من قبل، فلا يستفيد من حالة كهذه، إلا الطرف الإسرائيلي المحتل، وإلا الذين أرسلوه مبعوثًا يحل!
إذا كان لي أن أوجه كلامًا إلى رئيس مجلس النواب الليبي، فإنني أرجوه ألا يراهن على كوبلر، ولا على غيره من المبعوثين الدوليين، بأي شيء، لأن المهمة التي جاء من أجلها كوبلر، ليست هي أبدًا التي يتصورها عقيلة صالح، من فوق أرض ليبية وطنية، ولن تكون.
وأدعوه أن يراهن على نفسه، أولاً، وعلى المخلصين للوطن الليبي، من بين أبنائه، ثانيًا، ثم على المبعوث العربي، الذي قال الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، إنه سوف يعينه، ثالثًا، ولا بد أن يعينه، وبسرعة، قبل أن يسقط ما تبقى من الجدار الليبي!