سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

تراث العشق الرئاسي

حكام فرنسا قد يكونون ملوكًا مثل لويس الرابع عشر، أو أباطرة مثل نابليون بونابرت، أو رؤساء فخريين مثل رينيه كوتي، أو غير حزبيين مثل فاليري جيسكار ديستان، أو اشتراكيين مثل خلفه فرنسوا ميتران وفرنسوا هولاند، أو بين بين مثل نيكولا ساركوزي. لكن يجمع بينهم دائمًا حكايات العشق وروايات المنزل السري.
ما قد يكون شاذًا في بقية أوروبا، هو تقليد، أو تراث، في فرنسا. الآن، تضيف رسائل فرنسوا ميتران إلى عشيقته آن بانجو التي لم يكشف عن علاقته بها إلا قرب وفاته، فصلاً مهمًا في روايات العشق الرئاسي. وظني أن هذه الرسائل التي كتبت على مدى عشرين عامًا، هي رسائل أدب، لا رسائل حب.
أرادها، في اعتقادي، أن تُكتب لكي تُنشر، بوصفه جزءًا من كتابة سيرته الشخصية. ما أراد ميتران أن يكون، لولا زعامة الحزب الاشتراكي ثم الرئاسة، هو أن يصبح أديبًا مثل غريمه ديغول، أو شاعرًا مثل أولئك الذين سحروه في الأدب الفرنسي القديم والحديث. فقد كان يعبر فرنسا من أجل السلام على شاعرها وشاعره، سان جون بيرس، وأمضى الوقت يكتب مذكراته بلغة فائقة الأناقة، من أجل أن يقال إن ديغول لم يكن وحده سيد المذكرات.
صدرت رسائل ميتران العاشق في زمن لم يعد فيه أدب الرسائل زاهرًا كما كان في فرنسا النابليونية وأوروبا القرن التاسع عشر. لكنه مرجع إضافي في دراسة الرئيس المثيرة، مثل الكتب التي وضعها أطباؤه ومستشاروه وطاهيته (تحولت إلى فيلم)، وحتى بصّارته التي كانت تقرأ له طالعه باستمرار.
ظل ميتران اشتراكيًا إلى أن بلغ الإليزيه، فقرر أن يعيش حياة الرأسماليين. وكان أول ما فعله ساركوزي بعد انتخابه، القيام برحلة على يخت لأحد أصدقائه، وكذلك الطلاق من زوجته والزواج من العارضة الإيطالية كارلا بروني. أما هولاند، فكان أول ما فعله في تقاليد العشق الرئاسي، أن تخلى عن عشيقته، وارتبط بأخرى، دائمًا دون زواج رسمي، كما الحال مع أم أبنائه الأولى.
ليس حتى من زواج مدني في مبنى البلدية؛ أي الزواج الذي يعترف به القانون الفرنسي في الجمهورية العلمانية. أما الزواج الديني، فاختياري. وهكذا، فإن فرنسا أصبحت من دون «سيدة أولى» لأول مرة مع المسيو هولاند، ولكن مع سيدتين حرمتا اللقب، خلال الجمهورية الخامسة، أي منذ 1958 إلى اليوم، كان هناك رئيسان من دون حكايات الغرام، أو «تاكسي الغرام» على ما غنى عبد العزيز محمود. يبقى أن الرئيسين المعنيين كانا، ديغول وجاك شيراك، لا غرام ولا انتقام، ولا «البوسطجية اشتكوا من كتر مراسيلي».