ديفيد اغناتيوس
صحافي وروائي. وهو محرر مشارك وكاتب عمود في صحيفة "واشنطن بوست". كتب ثماني روايات، بما في ذلك "جسد الأكاذيب"
TT

استسلم لتجد الطعام ثانية

كثيرًا ما يستخدم المسؤولون الأميركيون وصف «كارثي» عند مناقشة آخر تطورات الوضع في سوريا، حيث تسببت حملة القصف الروسي في اقتراب حلب من حافة الاستسلام. ومع اعتراف إدارة الرئيس أوباما بالخوف الشديد مما يحدث، فإنها تحذر من الخيارات في مواجهة ذلك الهجوم الضاري. أيًا كان ما يقوله المسؤولون الأميركان عن سوريا، فما يجب عليهم فعله هو الاعتراف بأننا قد ضعفنا، سواء كأفراد أو كدولة، بالاكتفاء بمشاهدة مدينة يجري تدميرها وتدمير شعبها. وتبدو روسيا كأنها سقطت أكثر وأكثر في مستنقع الحرب، في حين غاصت الولايات المتحدة في مستنقع أخلاقي عميق، إذ إن وصمة عار الحرب السورية لن تفارق شعورنا الوطني لسنوات طويلة.
ويشبّه مسؤولو الاستخبارات الأميركية الحملة الروسية لكسر إرادة المعارضة السورية بقصف وإحراق الولايات المتحدة وحلفائها للمدن الألمانية واليابانية في الحرب العالمية الثانية.
فبعد انهيار مباحثات السلام التي جرت في الأسبوعين الماضيين، قصفj المستشفيات، وطوابير الخبز أمام الأفران، والأحياء المدنية، والرسالة تقول، بحسب محلل أميركي: «استسلم لتجد الطعام ثانية».
وبحسب أحد التقديرات الفاترة لمسؤول استخبارات أميركي، فإن «النظام السوري ومسانديه الروس يتبنون نهجًا محسوبًا يهدف إلى العمل على تفاقم الوضع الإنساني في حلب واستخدامه كأحد أساليب الحرب».
يخشى المحللون الأميركيون من أن تسقط حلب في الأسابيع القليلة المقبلة، وهو ما يعني نقطة تحول جوهرية في الحرب الدائرة هناك. ويرى المحللون أن المدينة بمقدورها الصمود لبضعة شهور نظرًا لما يتمتع به أهلها من جلد. لكن إن سقطت حلب ماذا سيحدث بعد ذلك؟ الإجابة أعمق، حرب أهلية أفظع من تلك التي نراها الآن. ويوضح المسؤول الاستخباراتي الأميركي قائلاً: «حتى لو استطاع النظام التحايل لانتزاع النصر في حلب، فليس من السهل هزيمة المعارضة نظرًا لضخامة أعدادها». فبحسب تقديرات المحللين، يبلغ إجمالي عدد قوات المعارضة نحو 100 ألف مقاتل.
يرى المسؤولون الأميركان احتمالين حال استسلمت حلب: الأول تشتت قوات المعارضة وشن غارات على قوات النظام وعلى القوات الروسية من خلف خطوط القتال، والثاني هو تركيز المعارضة لقواتها في المناطق الريفية مثل إدلب، وحمص وحماة ودرعا، التي تتمركز فيها المعارضة القوية بالفعل الآن. وقد تعمل الولايات المتحدة وحلفاؤها على زيادة الدعم العسكري السري لهؤلاء المقاتلين.
غير أن دعم المعارضة يعتبر مشكلة محيرة في حد ذاته، بحسب مسؤول أميركي، حيث ستكون جبهة النصرة «المستفيد الأول» (غير نظام الأسد) من ذلك الهجوم الروسي الضاري.
ووفق توقعات أحمد المحللين، فإن الوضع المقبل «لن يشهد سيطرة قوات النظام على الأرض، لكن حرب عصابات الشوارع». وبالنسبة لروسيا، لن يكون هذا الوضع فاتحًا للشهية، وهذا أحد الأسباب التي جعلت المسؤولين الأميركان يتركون الباب مفتوحًا أمام الروس للعودة إلى طاولة المفاوضات، لا في المحادثات الثنائية مع الولايات المتحدة التي توقفت الأسبوع الحالي، لكن بشكل متعدد الأطراف قد يشمل إيران والسعودية.
تصريحات البيت الأبيض بشأن الخيارات العسكرية يعززها «البنتاغون»، كما كان الحال منذ بداية الصراع في سوريا، حيث لا يزال مسؤولو «البنتاغون» يرددون مضمون خطاب سبق أن أرسله مارتن ديمبسي، الرئيس السابق لهيئة الأركان المشتركة، إلى الكونغرس ليحذر من أن فرض منطقة حظر طيران لحماية المدنيين «سوف تتكلف مبدئيًا نحو 500 مليون دولار، ومليار دولار الشهر التالي، وأن فرض تلك المنطقة سيتطلب مئات من الطائرات على الأرض وعلى ظهر حاملات الطائرات في البحر». في الحقيقة، زاد حذر الإدارة الأميركية بعد التدخل الروسي عام 2015. فإن كانت الخيارات العسكرية في حلب تحيطها المخاطر، ماذا عن المساعدات الإنسانية؟
هناك فرصة لأن تظهر الولايات المتحدة قدرًا من الشجاعة بأن تتولى عملية حشد شجاعة ومنظمة، وبسرعة فائقة كالتي نراها في حالات الإغاثة للمدنيين التي تعقب الأعاصير أو الزلازل. صفوا قوافل المساعدات على الحدود التركية والأردنية واللبنانية، وحذروا الروس من الاقتراب منها، وأسقطوا المعونات بالطائرات للمدينة المحاصرة اليائسة، ولندع العالم يرى ما تسببت فيه l,s;,. أعلم أن تلك الخيارات غير ملائمة وغير كافية، لكنها بالتأكيد أفضل من ألا نفعل شيئًا.
*خدمة: «واشنطن بوست»