طارق الحميد
صحافي سعودي، عمل مراسلاً في واشنطن. تدرَّج في مناصب الصحيفة إلى أن أصبحَ رئيس تحرير «الشرق الأوسط» من 2004-2013، ورئيس تحرير مجلة «الرجل» سابقاً. محاضر دورات تدريبية في الإعلام، ومقدم برنامج تلفزيوني حواري، وكاتب سياسي في الصحيفة.
TT

السعودية.. اللهم اكفني شر أصدقائي

تقول الحكمة: اللهم اكفني شر أصدقائي، أما أعدائي فأنا كفيل بهم، وهكذا يجب أن يكون لسان حالنا اليوم في المملكة العربية السعودية، بعد تمرير قانون «العدالة ضد رعاة الإرهاب»، (جاستا)؛ مما من شأنه تسهيل مقاضاة السعودية من قبل ضحايا أحداث سبتمبر (أيلول) الإرهابية أمام المحاكم الأميركية.
صحيح تم تمرير القانون المثير ليس للسعوديين وحسب، بل وللمجتمع الدولي ككل، وتداعياته ستكون حتى على أميركا نفسها؛ ولذا يتحرك المشرعون الأميركيون الآن، ومنهم من صوتوا لتمرير القرار، من أجل مراجعته بعد اعترافهم بخطورة عواقبه. «جاستا» لا يعني إدانة السعودية، ولا نهاية المطاف لمكانتها، وليس بزلزال سياسي، وإنما أزمة قد يترتب عليها خطوات قضائية معقدة، ومشوشة. أزمة، لكن ليست طلاقا سياسيا بالتشهير عبر المحاكم، كما يصور البعض، ولا هو حتى بأخطر من أحداث سبتمبر الإرهابية. لكن من المهم أن نتذكر أن السعودية ليست بالدولة المبنية على ضفاف أنهار، وأشجار وارفة، وإنما بنيت وسط مصاعب، وصحراء جرداء، أورثت السعوديين الحكمة والعقلانية، والصبر، والبراغماتية. تعلمنا أنها أن أمطرت حينا من الزمان ستجدب، ثم تعود المرابع، فنحن أبناء الصحراء بقواعدها الصارمة. وسياسيا، ووفق إرث طويل، واجه مؤسس هذه الدولة، وأبناؤه، رحمهم الله، مواقف معقدة، ومفصلية، عبروها بحكمة وبرجماتية، وجزء من تلك التحديات عاصرها، وعرفها، وساهم في حلولها، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز؛ ولذا فإن لا مجال لنا اليوم إلا الحكمة، والعقلانية، وعدم الالتفات لمن يريدون التصعيد، والمزايدة.
وكان مهما جدا، ومطمئنا، ما قاله الأمير محمد بن نايف، ولي العهد، بأن السعودية مستهدفة، و«الاستهداف واضح ولا يختلف عليه اثنان، ولا نستطيع أن نقول لهم لا تستهدفونا، لكن المهم أن نحصن أنفسنا قدر الإمكان». وهذا هو المطلوب، وليس التشنج، والتصعيد، بل الحكمة والاتزان، والعقلانية، ووفقا للمسطرة السعودية الشهيرة في الانضباط. اليوم نحن في حاجة إلى التفكير خارج الصندوق، وفي حاجة إلى تقييم جاد، فقانون جاستا ليس أول تحديات دولتنا، ولا أصعبها، لكن علينا أن نتساءل ما الذي حدث؟ ولماذا حدث؟ وما الذي علينا فعله؟ صحيح أن جزءا منه ليس بأيدينا، لكن علينا أن نتساءل وندرك أن الإصلاح، خطاب وأفعال، أمر ملح، ومهم، وحصانة.
علينا أن نتساءل: من شوه صورة تسامحنا، داخليا وخارجيا؟ وكيف نستعيدها؟ وهل نريد سماع ما يجب أن يقال أو نكتفي بالاستئناس لمن يدعي صداقتنا، ويورطنا، بقصد أو غير قصد؟ علينا أن نطرح أسئلة جادة كما فعلنا بعد إرهاب 11 سبتمبر بأميركا، وبعد إرهاب 2003 في السعودية، وكانت أسئلة صارمة، وردود أفعال واضحة ملموسة، وكما قال ولي العهد: «المهم أن نحصن أنفسنا قدر الإمكان»، فلدينا مكانة، وثقل، وليس لدينا ما نخشاه. وكل المطلوب هو العقلانية السعودية، وإعادة النظر في كل شيء، وتذكر حكمة: اللهم اكفني شر أصدقائي، أما أعدائي فأنا كفيل بهم.

[email protected]