د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

ليبيا وانقلاب مجلس الدولة

انقلاب «مجلس الدولة» الاستشاري والاستيلاء على اختصاصات مجلس النواب التشريعية والقفز على دوره الاستشاري، هو بمثابة إعلان فك الارتباط من قبل جماعة الإسلام السياسي، عن اتفاق الصخيرات، بل والانقلاب عليه والتنكر له، وهي خطوة جاءت في اعتقادي ترجمة عملية تتناغم مع ما دعا إليه «خامنئي ليبيا» ومرشد الإسلام السياسي في ليبيا المفتي المعزول، الذي دعا قبل أيام من انبثاق مجلس الدولة إلى إعلان مجلس لقيادة البلاد، وطالب من سماهم «الثوار» وراهن عليهم، وهم ثلة من الميليشيات المتحالفة تحت مسمى مجلس شورى «الثوار» تجمع فيما بينها حتى من يؤمنون بفكر «داعش» ويدعمونه، ويرفعون رايته مثل ميليشيات أنصار «الشريعة» وميليشيات «الفاروق» وميليشيات بوسليم، وكشف المفتي المعزول عن وجود وثيقة «دستورية» جرى الإعداد لها منذ فترة وطالب ميليشيات الإسلام السياسي برصّ الصفوف لمجابهة ما سماه «الصائل» حفتر.
في اعتقادي أن هذا الموقف من قبل ما يسمى «مجلس الدولة» الذي هو حتى الآن جسم هجين تشكل قبل إتمام الاتفاق السياسي وتضمينه للإعلان الدستوري، مما يجعل من تشكل مجلس الدولة أنه أتى ضمن سلسلة من الخروقات لاتفاق الصخيرات، حيث تشكل المجلس من بقايا المؤتمر الوطني في آخر جلسة له بنسخته الإخوانية، في حين نص الاتفاق على تشكله من أعضاء المؤتمر الوطني في أول جلسة صحيحة انعقدت في عام 2012، إذ إن المجلس المشكل من عبد الرحمن السويحلي وجماعته تشكل من طيف واحد، وأقصى كتلة 94 عضوًا، كانوا قد غادروا المؤتمر الوطني عقب انتهاء ولايته، وسيطرة ميليشيات «فجر ليبيا» التابعة للإسلام السياسي على العاصمة طرابلس، عقب رفض جماعات الإسلام السياسي نتائج الصندوق، وانقلابهم على العملية الانتخابية الديمقراطية التي خسروا نتائجها.
إعلان عبد الرحمن السويحلي «رئيس» ما يسمى مجلس الدولة الاستيلاء على اختصاصات مجلس النواب التشريعية، وتعطيل مجلس النواب، هو خرق كبير وخطير لاتفاق الصخيرات وللمادة 12 والمادة 22 والمادة 23 من الاتفاق بشكل سافر ومتكرر، مما دفع بالسفير البريطاني في ليبيا بيتر ميلت بإعلان رفض بلاده وبمشاركة 22 دولة من بينها الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا وألمانيا والسعودية والإمارات ومصر، لرفض انقلاب مجلس الدولة، ومحاولته سلب اختصاصات مجلس النواب التشريعية، التي جاءت ترجمة حقيقية لخسران هذه الجماعات للمعركة السياسية، بعد انسداد الأفق السياسي ومراوحة الاتفاق وجموده والخسارة العسكرية لميليشيات الإسلام السياسي والمتحالفة معها في بنغازي والهلال النفطي، بعد أن دحر الجيش الليبي تلك الميليشيات، وتقدمه في الجنوب وسيطرته على مساحات واسعة، مما دفع بالممول والمحرك الإقليمي لجماعات الإسلام السياسي في ليبيا والتي على رأسها تركيا لدفعهم نحو خطوة انقلابية أخرى، ولو كانت بائسة وانتحارية، لخلط الأوراق وإيجاد أرضية وواقع جديد للتفاوض حوله، وكسب جولة جديدة بتصدير الأزمة، بالهروب بها إلى الخلف والعودة للمربع الأول.