إميل أمين
كاتب مصري
TT

عودة الإرهاب.. بين ثنائية الأمن والحرية

هل بات الإرهاب قدرًا مقدورًا في زمن منظور يسعى وراء الولايات المتحدة، ولا يوفر إزعاجها في الحال أو الاستقبال؟
المؤكد أن العمليات التي شهدتها نيويورك ونيوجيرسي ومينسوتا الأيام القليلة الماضية تدفعنا لتأمل المشهد والتساؤل عن أسباب هذه العودة غير المحمودة.
تلفت النظر بداية، حالة الارتباك والتضاد التي عمت المسؤولين هناك حيث سارعوا بإعلانات غير منطقية من عينة أن الحادث متعمد، كما في نيويورك، ولكنه ليس عملا إرهابيا، الأمر الذي بدا كأنه محاولة للدفع بعيدا عن دائرة الإرهاب التقليدي.
بعد عقد ونصف العقد من أحداث سبتمبر (أيلول) 2001، ها هو آخر يطل برأسه من نافذة الإرهاب، ومعه يفقد كثير من الأميركيين من جديد إحساسهم بالأمن والأمان.
سريعا ما أدركت الأجهزة الأمنية الأميركية المشتبه به، أميركي من أصل أفغاني، صاحب «الأواني المتفجرة»، ومن حوله كثرت الروايات حول الدافع، وهل الأمر يتعلق بالعرق والدين، أم المسألة كلها تتصل بشكاوى جيران المطعم الذي يملكه مع أسرته، والإجراء الذي ألزمته به البلدية، أي إغلاق المطعم ليلا؟!
التساؤل المزعج: «هل الخلاف مع البلدية حول ساعات العمل، يدفع لزرع طرقات حي تشيلسي البرجوازي المتهتك بالمتفجرات؟ ثم إذا كان رحمي هو الفاعل في نيويورك، فمن فعلها في مناطق سيسايد وإليزابيث وربما نوارك في نيوجيرسي؟».
على أن الأكثر إزعاجا بالنسبة للأميركيين حادثة مينسوتا، التي كشفت عن خلل واضح في حالة «النسيج الاجتماعي» الأميركي، خلل يهدد فكرة أميركا «بوتقة الانصهار»، تلك التي حاجج بها الأميركيون زمنا طويلا، وكانت بالفعل زخما للنهضة الأميركية غير المسبوقة في التاريخ البشري.
هل هناك إشكالية إرهاب في أميركا تتجاوز خطورتها ما جرى في الحادي عشر من سبتمبر قبل نحو خمسة عشر عاما؟
قد يكون هذا التحليل صادمًا بعض الشيء، ذلك أن ما أُعلن عنه بشأن أحداث نيويورك وواشنطن من رواية رسمية، يقودنا إلى فهم أن خلية بعينها مرتبطة بـ«القاعدة» هي التي تولت التخطيط والتنفيذ، وهي التي تعرضت للعقاب لاحقا في جبال تورا بورا وكهوف أفغانستان.
لكن ما جرى بين نيويورك ونيوجيرسي ومينسوتا ومن قبلها في أورلاندو، وعدة مواقع أميركية أخرى، كان مغايرا.
الكارثة هنا وليست الحادثة هي أن أميركا - والعالم برمته في واقع الحال – تعيش حربا مع العقول والأفكار، وهذه لا تفلح في مواجهتها الآلة العسكرية الأميركية الجرارة، ولا يفنيها أي جيش عرمرم، فـ«داعش» على سبيل المثال لم يعد تنظيمًا مركزيًا، وقد ينفرط عقده قريبا جدا كتنظيم مسلح، لكن خطورته تبقى في محتواه الفكري وصداه المزعج في عقول ونفوس مريديه، وعليه تبقى عملية التفتيش في الضمائر والأفئدة لتقدير واستباق أي عمليات إرهابية مسألة شبه مستحيلة، ومعها تفقد جميع المجتمعات الإنسانية إحساسها بالأمن.
هل «داعش» وراء ما جرى في أميركا أخيرًا؟
قد لا يكون ذلك بشكل مباشر، لكننا لا نستطيع إنكار رؤى بعينها تربط بين الخسائر التي يتعرض لها التنظيم في سوريا والعراق من جهة، ومحاولته إظهار حضوره كطرح آيديولوجي تارة، ودوغمائي تارة أخرى، حتى لو كان ذلك على حساب ترويع المواطنين البسطاء.
ما جرى في أميركا أخيرا سيعيد ولا شك طرح السؤال المثير: «أيهما أهم الأمن أم الحرية؟ والسجال سيحتدم حول الأهم وهل هو الحفاظ على وحماية الأرواح والممتلكات الشخصية ولو جاء على حساب الاختصام من الحريات الشخصية؟ أم أن الحريات تابوهات مقدسة لا يمكن الاقتراب منها حتى في أحلك الأوقات خوفا وتهديدا؟
حكما سيكون للعمليات الأخيرة تأثير واضح على مسار العملية الانتخابية الرئاسية في أميركا، إذ ستصب النتائج حتما في خانة السردية اليمينية، التي يتزعمها دونالد ترامب، التي تقوم على بث المخاوف وتعظيم التهديدات المحدقة بأميركا، وستشعل جذوة نيران التطرف، وكارثة تلك السردية أنها تعمق من «حالة الكراهية» بين فئات المجتمع الأميركي، وتجذر من أوضاع الشكوك المتبادلة وتشيع العنصرية تجاه الآخر عوضا عن قبوله.
«نيويورك تايمز» تحدثنا أخيرا عن تقرير لباحثين من جامعة كاليفورنيا في سان بيرناردينو يفيد بأن معدل الجريمة ضد الأهداف الإسلامية على سبيل المثال في أميركا قد ارتفع بنسبة 78 في المائة، في عام 2015، ومرد ذلك للعمليات الإرهابية التي نفذت في البلاد عطفا على اللغة الحماسية المستخدمة في السباق الرئاسي الأخير.
جمهورية الخوف والأمن ليست الحل، كسب صراع الأفكار بداية قطع الطريق على الإرهاب.