عثمان ميرغني
كاتب وصحافيّ سوداني، نائب رئيس التحرير السابق لصحيفة «الشرق الأوسط». عمل في عدد من الصحف والمجلات العربية في لندن. متخصص في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية ومهتم بقضايا الاقتصاد العالمي والمناخ والبيئة.
TT

هل نريد أن نهزم «داعش»؟

تطوير استراتيجية محاربة «داعش»، كان محور التقرير الذي أصدرته أمس لجنة الدفاع البرلمانية البريطانية، بعد أشهر من الجلسات لتحليل ودراسة نتائج العمليات العسكرية البريطانية في سوريا والعراق. التقرير طرح أسئلة مهمة بشأن استراتيجية محاربة «داعش» ومدى فعاليتها وما إذا كانت ستؤدي إلى دحر التنظيم، وإلى تحقيق النتائج المرجوة في إطار محاربة الإرهاب على المدى البعيد.
هذه الأسئلة شكلت في مجملها انتقادا صريحا للاستراتيجية البريطانية، ومبطنا للاستراتيجية الغربية ككل، ودعوة إلى البحث عن «حلول سياسية» في إطار استراتيجية أوسع وأشمل لمحاربة «داعش» كتنظيم، والإرهاب كظاهرة.
اللجنة البرلمانية البريطانية ركزت في إطار مهمتها على الوضع في سوريا والعراق، لكنها لم تنس الإشارة إلى تمدد «داعش» و«القاعدة» في ليبيا واليمن، وإلى الإرهاب في سيناء. وفي موازاة دعوتها لاستراتيجية أوسع، ولإجراءات لدعم العملية السياسية في سوريا والعراق، وإقرارها بحتمية التعاون مع روسيا لحلحلة الوضع السوري، تطرقت اللجنة في تقريرها إلى مسألة إدراك بواعث قلق دول الخليج وأهمية توفير الأمن والاستقرار لكي يتسنى دعم الإصلاحات والاستقرار.
اللجنة رأت أن العمليات العسكرية التي تكلفت أموالا طائلة في العراق وسوريا، قد تنتهي إلى الفشل إذا لم تكن هناك رؤية واضحة واستراتيجية أوسع لدعم الاستقرار والإصلاحات في المنطقة. هذا لا يعني أن اللجنة تعتبر العمليات العسكرية غير ضرورية، أو أنها لم تحقق أي نتائج. فهي أكدت على أهميتها ورحبت بنجاحها في تقليص الأراضي التي تسيطر عليها «داعش» ودولتها الإسلامية المزعومة، لكنها اعتبرت أنها غير كافية. فالمطلوب في النهاية هو خلق بيئة لا تستطيع فيها «داعش» أو غيرها من الحركات الإرهابية أن تنمو أو أن تستقطب الناس لفكرها.
انتزاع الأرض لن يؤدي إلى دحر «داعش» أو منع ظهور حركات أخرى مشابهة، صحيح أنه سيضعفها ويقزمها، لكنه لن يعني بالضرورة نهايتها أو دحر فكرها، كما لن يعني بالتأكيد أنه لن تظهر حركات أخرى بتسميات جديدة. فـ«داعش» ذاتها نشأت على أنقاض «القاعدة» في العراق، مثلما أن طالبان التي دحرت دولتها وطردت من معظم الأراضي التي كانت تسيطر عليها، عادت لتشكل من جديد خطرا على الحكومة في كابل. من هذا المنطلق فإن تقرير اللجنة البرلمانية البريطانية حذر مما يحذر منه غالبية المتابعين لظاهرة الإرهاب وهو أن «داعش» ستلجأ إلى سياسة «الانكفاء» في انتظار اللحظة المناسبة لاستئناف عملياتها، كما أنها قد تظهر في دول أخرى، مثلما حدث في ليبيا.
هناك أيضا التحذيرات القديمة من أن «داعش» لتعويض خسائرها على الأرض في سوريا والعراق، ستلجأ إلى تنفيذ عمليات في الخارج خصوصا في الغرب، لكي تقول إنها موجودة وقادرة على نقل الحرب إلى الخارج. هنا تأتي مشكلة خلايا الغربيين الذين جندتهم «داعش»، وأولئك الذين يطلق عليهم اسم «الذئاب المنفردة» أو «جهاديو غرف النوم» الذين ينفذون عمليات على غرار ما حدث في نيويورك أخيرا، أو في مدن غربية أخرى قبل ذلك.
اللجنة البرلمانية البريطانية لا تأتي بجديد عندما تدعو إلى استراتيجية عريضة، وإلى حلول سياسية تسير جنبا إلى جنب مع الاستراتيجية العسكرية والأمنية لمحاربة «داعش» وغيرها. فهذه الدعوة تكررت على لسان الكثير من الخبراء والمهتمين والإعلاميين والسياسيين، كما طالبت بها دول كثيرة، لكي تكون هناك استراتيجية عالمية لاجتثاث الإرهاب.
التقرير البريطاني على أهمية الجهد الذي بذل فيه، لن يؤدي في تقديري، إلى تغيير حقيقي في السياسة البريطانية، أو في الاستراتيجية الغربية، بل سينضم إلى مئات وربما آلاف التقارير التي أعدت عن الإرهاب وكيفية مواجهته. فالواقع أن هناك مصالح كثيرة متضاربة، واستراتيجيات متباينة، بل ومتحاربة أحيانا، في موضوع حرب الإرهاب، تعوق جهود محاربته إن لم تكن تسهم في تغذيته. في سوريا والعراق، وهما محور التقرير الأساسي، هناك أطراف كثيرة وعوامل كثيرة تتداخل في محاربة «داعش»، ليس أقلها أن البلدين أصبحا ساحة لحرب إقليمية ولصراع دولي أكبر. كما أن البيئة التي يتغذى منها المتطرفون والإرهابيون نمت وازدهرت، تحت ظل الحرب المعلنة ضد الإرهاب. وفي إطار ما يدور ظهرت عشرات التنظيمات المتطرفة التي يمكن أن يتحول أي منها إلى بديل لـ«داعش»، وبعض هذه التنظيمات يستخدم في إطار حسابات أطراف أخرى ويجد الدعم منها.
السؤال: هل يريد العالم فعلا دحر «داعش» نهائيا، أم تحجيمها فقط؟ وهل دحر «داعش» ودولتها الإسلامية المزعومة، إن تحقق، سيعني هزيمة الإرهاب والقضاء على خطره؟
الرد على السؤال الثاني قد يكون سهلا، في ظل الإجماع على أنه ما دامت البيئة التي يتغذى منها الإرهاب موجودة، فإن هزيمة تنظيم لا تعني القضاء على الظاهرة.
أما الرد على السؤال الأول فهو الأصعب، في ظل تضارب الأهداف والاستراتيجيات.. والحسابات.