ديفيد اغناتيوس
صحافي وروائي. وهو محرر مشارك وكاتب عمود في صحيفة "واشنطن بوست". كتب ثماني روايات، بما في ذلك "جسد الأكاذيب"
TT

كلينتون والنخبة.. البديل الخطير

رغم التراجع الأخير لهيلاري كلينتون في استطلاعات الرأي، فإنها تملك فرصة سياسية هائلة، حتى وإن كان بعض مستشاريها يعتبر هذه الفرصة لعنة: يمكنها أن تكون المرشح الذي يمثل «التيار الرئيسي» للقيادة لكلا الحزبين، وتعرف كيف تصلح نظامنا السياسي المتصدع.
في عام أضحت فيه مناهضة النخبوية موضوعًا مهيمنًا في كلا الحزبين، يبدو ارتداء عباءة هذا النظام خطأ بالنسبة لكلينتون. لكن دعونا نكون صادقين: إن قوتها تكمن في أنها صوت القيادة الخبيرة والوسطية. هي ليست مقنعة كسياسية شعبوية: وكلما حاولت أن تتصرف على هذا النحو، خاطرت بأن تخرج بمظهر المتكلف في الشهرين الأخيرين للحملة الانتخابية.
ولأن كلينتون لا تملك فكاكًا من انتسابها للتيار الرئيسي، فلعلها تكون أكثر حصافة بأن تسعى لتحويل ذلك إلى ميزة لها - وأن توضح للناخبين كيف أنها، من منطلق كونها شخصية تتمتع بفهم عميق للنظام، ستحاول كسر الانسداد في واشنطن، وأن تعيد الحكومة للعمل من أجل البلد من جديد. وإذا كنت تبحث عن شعارات، فجرب مثلا: «التغيير، من قلب المنظومة».
لا شك بأن الترشح من مكان وسط في بلد يضربه الاستقطاب ينطوي على مخاطر في حد ذاته. ولكن استراتيجية كلينتون الحالية، التي تبدو كنسخة خفيفة من بيرني ساندرز، لا تبدو ناجحة إلى حد بعيد حتى ضد منافس جمهوري غير مؤهل تمامًا.
أظهر استطلاع لشبكة «سي إن إن» مؤخرا تقدم ترامب بنقطة واحدة؛ تتفاوت الاستطلاعات الأخرى بشكل كبير، ولكن النسبة التي أحصاها موقع «ريل كلير بوليتيكس» يبين تقدم كلينتون الآن فقط بـ3.3 في المائة، وهو أقل من نصف هامش التقدم الذي كانت تملكه بعد المؤتمرات الانتخابية في يوليو (تموز) الماضي.
من شأن اعتماد كلينتون على استراتيجية تراهن بشكل أكبر على خبرتها في الحكم أن يستند إلى مكونات أساسية ثلاثة. الأول سيكون الارتداد الجماعي لقياديين جمهوريين عن مرشح الحزب الجمهوري، ترامب. وقع 50 من مسؤولي السياسة الخارجية الكبار السابقين بالحزب الجمهوري على خطاب في أغسطس (آب) الماضي يحذرون فيه من أن ترامب سيكون الرئيس «الأكثر تهورًا» في التاريخ الأميركي.
كان رد ترامب بالأساس على ارتداد نخبة الحزب الجمهوري عن دعمه، هو «اذهبوا في داهية!» وصف الرجل خبراء السياسة الخارجية الـ50 بأنهم «ليسوا إلا نخبة واشنطن الفاشلة التي تريد التشبث بنفوذها». كما أبدى احتقارًا مشابهًا للسياسة التقليدية المحافظة المتعلقة بالتجارة والموازنة.
وإذا تحلت كلينتون بالذكاء، فستستخدم رفض قيادة الحزب الجمهوري لترامب لتعزيز حجتها الأساسية بأنه غير مؤهل للمنصب من حيث الثقافة، ومن حيث تقلب حالته المزاجية، وسيدخل البيت الأبيض من دون خطط واضحة أو مستشارين سواء في السياسة الخارجية أو الداخلية. ورغم افتقار ترامب لأي خبرة في الحكم بنفسه، فإنه يحتقر قيادة الحزب الجمهوري التي يمكن أن تعينه على الحكم. وحتى غلاة الناخبين الشعبويين قد يتسرب إليهم القلق من رهان بمثل هذه الخطورة.
تستطيع كلينتون أن تضاعف من عزلة ترامب عبر إظهار أنها ستكون مستعدة لأن تستعين في إدارتها بعدد من هؤلاء المرتدين المنتسبين للتيار الرئيسي في الحزب الجمهوري. وعلى النقيض، من ذا الذي سيختاره ترامب في المناصب الأساسية في إدارته؟ من سيوافق على العمل تحت رايته؟ ستلوح علامات الاستفهام هذه في الأفق بشكل أكبر مع اقتراب يوم الانتخابات.
أما الأساس الثاني لاستراتيجية كلينتون القائمة على تجربتها في مؤسسة الحكم، فيمكن أن تكون هي احتمالية أن يستعيد الديمقراطيون السيطرة بشق الأنفس على مجلس الشيوخ. تتصور أحدث خريطة لمجلس الشيوخ التي أعدتها «ريل كلير بوليتيكس»، فوز 47 من الديمقراطيين، و44 من الجمهوريين، و9 مقاعد يمكن أن يفوز بها أي من الحزبين. قد تتعثر كلينتون وتجر الديمقراطيين معها، لكن خبراء استطلاعات الرأي ما زالوا يراهنون على أن المرشحين الجمهوريين في سباقات متقاربة على مقاعد مجلس الشيوخ، كما في إنديانا وأوهايو وبنسلفانيا، سيتضررون من جراء ترامب.
من شأن العنصر الثالث في هذه المقاربة مع التيار الرئيسي أن يكون رسالة قوية يمكن تصديقها عن كيف ستحكم كلينتون البلد في المائة يوم الأولى. يريد الناخبون من الطبقة الوسطى التغيير هذا العام؛ هم يريدون أن يعرفوا أن القادة السياسيين تلقوا بصدق الرسالة التي مفادها أن ثمار النمو الاقتصادي لا بد وأن يتم توزيعها بمزيد من العدل، في اقتصاد أكثر عنفوانًا. تتحدث كلينتون عن السياسات والبرامج السليمة، لكنها تفرط في جعل أجندتها تبدو كقائمة مرهقة من المطالب الليبرالية.
سيكون الاختبار هو قدرة كلينتون على مخاطبة البلد خلال المناظرات. في ضوء الخبرة والتخصص، ينبغي أن تكتسح ترامب. لكن 16 من المرشحين الجمهوريين في الانتخابات التمهيدية كانوا يعتقدون ذلك أيضًا. وتكمن نقطة ضعف كلينتون في أنها تجسد نخبة يرى كثيرون أنها أخرجت البلد عن المسار الصحيح. ليس بوسعها أن تغير ذلك الجانب المتعلق بانتسابها للنخبة؛ فهذه هي سيرتها الذاتية. والتحدي بالنسبة لها أن تظهر للناخبين أنها تعرف كيف تصلح بلدًا معطلاً - وأن ترامب، عديم الخبرة، والمعزول حتى من حزبه، بديل خطير.
*خدمة: «واشنطن بوست»