إميل أمين
كاتب مصري
TT

هيلاري كلينتون ومستقبل الإسلام السياسي

ما مستقبل جماعات الإسلام السياسي حول العالم كافة، وفي المنطقة العربية خاصة، إذا وصلت هيلاري كلينتون إلى البيت الأبيض؟
تساؤل يرتفع الآن في سماوات الحياة الفكرية والإعلامية الأميركية، ويشتد وقعه مع اقتراب الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، ذلك أن هيلاري تحوم من حولها علامات استفهام كثيرة حول علاقاتها بالمجموعات الإسلامية التي تتعاطى العمل السياسي، وقد كان ولا يزال في المقدمة منها جماعة الإخوان المسلمين في مصر.
وصول هيلاري إلى المكتب البيضاوي يعنى إعادة قراءة ملفات كثيرة قديمة، واستشراف مآلات وتداعيات قادمة، لا سيما أنه يوما تلو الآخر تظهر على السطح، عبر «ويكليكس»، وربما عبر مصادر أخرى، رسائل من بريدها الإلكتروني، تكشف إلى أي حد كانت غارقة في علاقتها مع الإخوان في مصر بنوع خاص.
إحدى الرسائل الموجهة من قبلها للمستشار الخارجي الخاص بها، سيد بلومنتال بتاريخ 11 ديسمبر (كانون الأول) 2011، تشير بوضوح إلى نية الإخوان في إقامة دولة إسلامية في مصر، وقد يكون هذا طرحا سياسيا بصورة أو بأخرى، غير أن المثير في تلك الرسالة تحديدًا، وجود مصدر سري من داخل إخوان مصر أكد لبلومنتال أن محمد مرسى الذي أضحى لاحقًا رئيسًا في انتخابات هشة، أبلغ الخارجية الأميركية بأنه سيكون من الصعب على الحكومة الإسلامية الجديدة السيطرة على صعود تنظيم القاعدة، والجماعات الأخرى المتشددة والإرهابية.
السؤال الذي يطرحه الأميركيون اليوم.. كيف مضت هيلاري في دعم فصيل الإخوان المسلمين، وكيف سارعت إلى زيارة مصر لدعم نظام زعمت أنه يمثل تحولاً ديمقراطيا حقيقيا، في حين أثبتت التجربة لاحقًا عكس ذلك؟
والثابت أن علاقة هيلاري كذلك بتيارات الإسلام السياسي في ليبيا قد تكون الملف الأكثر سخونة، فقد كانت الأعلى صوتا في واشنطن بين المنادين بالتدخل العسكري هناك، مع معرفتها التامة أن المنظمة المعارضة الوحيدة على الأرض، الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة، هي جماعة إرهابية. والتعبير لـ«نيويورك تايمز».
قبل نحو شهرين طالب الجمهوريون في مجلس الشيوخ الأميركي مجددًا بفتح ملف علاقة هيلاري بـ«هوما عابدين»، نائبة رئيس موظفي وزارة الخارجية السابقة، والبحث عن عمق الرابط الآيديولوجي بينها وبين هيلاري، لا سيما أن الأولى جاهرت بالتصريح لا بالتلميح، وبالصوت المرتفع والمسموع، لا بالهمس أو الوشوشة، لبعض المتنفذين في واشنطن، برفضها فكرة السيادة الوطنية على الأرض، والحدود الإقليمية، طالما كان هناك معين أكثر اتساعا فكريا وتنظيميا، يتمثل في فكرة «الأمة»، الأمر الذي ينسجم شكلاً وموضوعًا مع الطروحات الإخوانية، ورؤى جماعات الإسلام السياسي.
وقد عاد الحديث عن هوما عابدين في الأيام القليلة الماضية بعد انفصالها عن زوجها أنتوني وينر، العضو السابق بمجلس النواب، وها هي الصحافة الأميركية تحفر عميقًا في ماضيها، لتكتشف، والعهدة هنا على صحيفة «الهافنغتون بوست» الأميركية، عن أنها قضت عقدًا من الزمن في تحرير محتوى يحمل أفكارا لا تتسق والحريات الأميركية، وأنها كانت تلقي باللوم على الولايات المتحدة فيما يتصل بأحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001.
يتساءل الأميركيون هل يمكن لمواقف هيلاري أن تتغير لجهة التيارات السياسية الإسلامية حول العالم، درءًا للشبهات في أضعف الأحوال، وردًا للاتهامات التي وجهها لها مؤخرًا مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب، ووصفها بأنها كانت هي وأوباما السبب الرئيسي وراء نشوء تنظيم داعش، والفشل في مواجهته؟
قد تكون هيلاري أمام اختبار جذري حال فوزها بمنصب الرئاسة، ونتيجته، ستحدد إلى أين ستمضي دفة أميركا الهيلارية للسنوات الأربع المقبلة.
الاختبار يتصل بمشروع القرار الذي وافقت عليه اللجنة القضائية بمجلس النواب الأميركي في 24 فبراير (شباط) الماضي، بأغلبية 17 صوتًا مقابل 10 أصوات، الذي يصنّف جماعة الإخوان المسلمين «منظمة إرهابية» ومطالبتها الخارجية الأميركية بالعمل على تنفيذ هذا القرار.
هنا سيكون المحك، ذلك إنه إذا وافقت هيلاري على تحويله إلى قانون، فإن ذلك «يعني منع أي أميركي أو مقيم على أراض أميركية من التعامل مع أي شخص أو جهة على علاقة بتنظيم الإخوان في أي بقعة من العالم، ويمنع كذلك أي مواطن أجنبي على صلة بالتنظيم من دخول الأراضي الأميركية، بالإضافة إلى حظر أي ممتلكات أو أموال في حوزة مؤسسات مالية أميركية تخص الجماعة».
هيلاري قطعا في وضع لا تحسد عليه، ذلك لأنها إن فعلت ذلك لترضية الرأي العام الأميركي، ذاك الذي تموج فيه الآن أطياف مختلفة من حركات «الإسلاموفوبيا» والإكزينوفوبيا (معاداة الأجانب)، فإنها ستغضب حلفاء قدامى، هدد بعضهم ذات مرة بأن لديهم أوراقا يمكن أن تقود باراك أوباما وإدارته إلى السجن.
وإن مضت في طريق مغاير، سيصدق ترامب في عيون الأميركيين، وساعتها ستكون نهاية الحزب الديمقراطي لعقود طوال.
ربما أدركت هيلاري هذه المعضلة، ولهذا رأت أن تبتعد قليلاً عن التواصل مع تلك الجماعات، لا سيما في عام الانتخابات الرئاسية، لكن ذلك لا يعني إمكانية هروبها من مسألة الاستحقاقات القادمة.