سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

تحية لهم ولهنَّ

قبل أن يظهر مبدأ «المشاركة» في قراءة المقالات على الإنترنت، كان أحدنا يتصل بصديقه ليقرأ له شيئًا مما أعجبه، أو كي يلفت نظره إليه. متعة القراءة مثل متعة المشاهدة، تتعمّق في المشاركة. كم يؤسفني أنه ليس من اللائق أن أسمّي الكتّاب والكاتبات الذين أسعد بقراءتهم. فإذا ما سميت البعض، أغفلت البعض الآخر ممن لا أعرف من مستحقيه. ولا أريد ظلمًا بأحد، خصوصًا في هذه الحرفة الكبرى.
أنا ممن يعتقدون أن جزءًا من المسؤولية في تراجع الصحافة، هو مسؤولية الصحافيين: الخمول والكسل والإهمال والقبول بأي كلام، وكأنما مهنة الكاتب مثل مهنة جامع الأحرف أو الطبّاع؛ أن يملأ فراغ الطابعة. والمؤسف أن هذه حال الأكثرية الذين أصابهم الخمول الذهني، أو الذين ولدوا به، ولا حول ولا قوة.
ويُلحِق هذا النوع ظلمًا شديدًا بالفئة الجميلة، وأحيانًا الرائعة، وأحيانًا الأكثر روعة، وليتني أستطيع أن أسمي. ومما يسعد حقًا تزايد أعداد الأقلام النسائية مالكة الموهبة والاجتهاد معًا، خصوصًا في صحف مصر. ففي الماضي، كان الحديث عن المرأة الكاتبة يشمل قلّة قليلة من الأسماء، أما الآن فما شاء الله.
شجاعة أدبية، ومواقف إنسانية، وأسلوب فيه من جماليات الذوق النسائي، وليس الأنثوي. وليس غريبًا أن تُواجَه بعض الأقلام الراقية والرفيعة الخلق بمشاعر فظّة، وخنادق مسلحة، ونوبات الحسد. لكن ذلك لا يغيّر في حجم ومستوى الارتقاء المهني الذي بلغته بعض الزميلات. والإشارة إلى صحافيات مصر، أو كاتباتها، لا تعني إغفال غيرهن. لكن تميّزهن تميز.
ما النقطة، أو العلامة التي يجب أن يبلغها الكاتب، أو الكاتبة؟ هذا امتحان أسبوعي أو يومي أو دوري، تقرره مجموعة كبرى من العوامل وجماعات كبرى من القراء. الكاتب، بعكس أي صحافي آخر، لا يُعين بقرار، ولا يُعفى بقرار. وفي اللحظة التي يخون فيها نفسه، لا يكلف قارئه أكثر من قلب الصفحة. لذلك، هي مهمة مفزعة، إلا للذين لا يعرفون الفرق، أو لا يهمهم ذلك.
أسوأ ما يمكن أن يحدث لهذه المهنة، أن تخلو من مستوى التنافس. ذلك ما يدمرها. يبدأ القارئ بحذف كاتب، ثم آخر، ثم يتبين له أن عدد المحذوفين أكبر من عدد المفضلين. أطلع على صحف، فأخاف عليها، وأقرأ أخرى، فأشعر أن ورقها لن يغيب مهما ارتفع عدد قراء مواقعها. لا يمكن إخفاء النجاح، ولا يمكن ادعاؤه. الصحافة معرض، وتنهار عندما تتحول إلى متحف تشعر أنك رأيت فيه كل شيء مرات كثيرة من قبل، أو أن الكلمات الحيّة قد تحولت إلى حجارة. يشيخ بعض كتابنا وعطاؤهم عافية. وشكرًا للذين واللواتي ينضمون إلى هذا السرب من الأجيال المختلفة. يليق بكم مستقبل الكلمة.