خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

ظريف رغم أنفه

لمعظم الرؤساء العرب سجلهم من النكت والطرافات التي صاغها الظرفاء عنهم. أشهرهم في هذا الميدان جمال عبد الناصر. لدينا الآن مجموعة واسعة تعرف بالنكات الناصرية. بيد أن الرئيس العراقي عبد السلام عارف تميز بإثارة النكات عنه بحيث أصبح العراقيون يتندرون بمجرد سرد تقليعاته الفجة. كان المسكين يتصور أن الرؤساء يجب أن يكونوا ظرفاء، فراح يخوض فيما لا معرفة له به.
اضطرت الإذاعة العراقية إلى تكليف موظف، السيد عبد الرحمن فوزي، لمراقبة وتشذيب خطبه قبل إذاعتها. فمن بدائعها وبذاءاتها كان وصفه لأحد رؤساء الدول بأن رأسه مثل رأس الثور. أما طرائفه فكانت بهذه السذاجة. ذهب إلى مدينة الرمادي فألقى خطبة فيها استهلها بقوله: «يا أهل الرمادي يا من ذررتم الرماد في وجه الأعادي...». وكرر مثل ذلك عند زيارته لبلدة الشوملي فخاطبهم قائلا: «عالشوملي، عالشوملي ناركم ولا جنة هلي».
حاول المصور أرشاك أخذ صورة جيدة له فأسهب في التعليمات حتى تضايق منه الرئيس العراقي فقال له: «تعرف؟ الانقلاب كان أسهل عليّ من أخذ صورة عندك»! ومن وحي الانقلاب كانت مخاطبته لوالد زوجته. تروي ابنته وفاء بأنه كان يتشاجر مع زوجته باستمرار حتى تضايقت منه فدعت والدها أن يحضر ويخلصها منه. وهو ما فعله بالضبط السيد الوالد. عاد عبد السلام عارف للبيت فلم يجد زوجته فيه فأدرك ما حصل. أسرع إلى بيت الوالد وراح يزمجر: «إذا ما ترجع لي زوجتي بالسلامة راح أركب واحدة من دباباتي وأضرب بيتك وأهدمه وأطلعها».
حب وأي حب!
ما أن استتب الأمر للثوار، حتى انطلق يجوب المدن والقرى يخطب في الناس بمثل هذه البلاغات التي ذاعت بين العراقيين كنكات الموسم: جمهوريتنا اشتراكية وطنية الاهيه خاكية. ماكو بعد قصور ولا دور، ولا حاكم ومحكوم،. أمة واحدة، لا شرقية ولا غربية، لا جنوبية ولا شمالية، لا جوني ولا جون بول، لكن كلنا حمد وحمود. لا إقطاع بعد اليوم، لا قصور ولا ثلاجات، لا تلفزيونات ولا طبقات. حرية وعدل ومساواة!
حدث بعد الثورة أن زار العراق الزعيم الأفريقي أحمد سيكوتوري. راح عبد السلام عارف يفرجه على معالم العاصمة العراقية بمصاحبة صديقي الفلوجي، الدبلوماسي الذي كان يجيد اللغة الفرنسية، اللغة التي كان ينطق بها سيكوتوري. جرتهم الزيارة إلى قصر الزهور، القصر الملكي في بغداد. راح عبد السلام عارف يشرح للضيف كيف أنه كان الضابط المسؤول عن حراسة كل هذه القصور الملكية. لاحظ الرئيس العراقي أن السيد المترجم لم ينقل ذلك الكلام للضيف. فأنبه قائلا: «ليش ما تترجم هالكلام هذا للضيف»؟ فأجابه: أخاف أترجم ذلك وبعدين الرئيس سيكوتوري يقول «حاميها حراميها!».
ضحك عبد السلام عارف عندما سمع ذلك فقال للمترجم: «والله أنت صدق عاقل ومجنون»!
وأخيراً وفي إحدى سفراته احترقت به طائرته العمودية وسقطت.