إنعام كجه جي
صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس.
TT

بيكيني وبوركيني

الصيف رتيب ولا بد من بوركيني يشغل الفرنسيين. كأنما لم يعد للصحافيين هنا من خبر مثير سوى ذاك الذي يتعلق بعادات المسلمين. والبوركيني ليس الاسم الذي يُطلق على مواطن من بوركينا فاسو، بل اللباس الذي اهتدت إليه المسلمات لارتياد شواطئ البحار وبُرَك السباحة. وهو يشبه بدلة الغواصين. يغطي الذراعين والساقين والشعر وكامل الجسم. وهناك من يسمّيه «المايوه الحلال». أما الفرنسيون، فقد ابتكروا لهذا اللباس تسمية ساخرة هي البوركيني، تجمع بين البرقع والبيكيني. وهذا الأخير، كما تعرفون، هو ثوب السباحة النسائي المؤلف من قطعتين. ولعلها المعضلة التي ينبغي أن يفسرها لنا المشتغلون بالرياضيات والاقتصاد: كيف تكون قطعة واحدة أكبر وأرخص من قطعتين؟
قبل أيام، احتفل أهل الموضة بمرور 70 عامًا على ظهور البيكيني. إنه اختراع فرنسي رائد مسجل باسم لوي ريار. صاحب محل للثياب الداخلية في باريس، أواسط القرن الماضي. ثم جاءت حكاية البوركيني وطفت على بساط الموج. وبما أن القوم في «شهر الإجازة المقدس» ولا أحداث سياسية مهمة في الأفق، فقد استيقظ عمدة مدينة «بين ميرابو» من النوم وتثاءب ولم يجد ما يشغل به نفسه سوى التدخل لمنع فعالية تنظمها جمعية محلية تهتم بالمهاجرين. وذنب الجمعية أنها استأجرت، لنهار واحد، متنزهًا مائيًا في المدينة القريبة من مرسيليا، لكي يكون نهارًا مخصصًا للنساء فقط وأطفالهن. ويمنع دخول الأولاد الذكور ممن تجاوزوا سن العاشرة. إنها فرصة للسيدات المسلمات المحافظات أو الخجولات لقضاء وقت ممتع وممارسة السباحة بحرية، بالبوركيني، «المايوه الشرعي».
وجد العمدة الاشتراكي في الأمر «إقلاقًا للنظام العام» و«طائفية خالصة». وتحالف أهل اليمين واليسار ضد بهجة نسائية شرعية، وانتهز أنصار حزب الجبهة الوطنية المناسبة العادية التي كان يمكن أن تمر مرور الكرام، وأطلقوا التصريحات معترضين على تأجير المسبح للكاسيات ولو لنهار واحد. ووصفه أحدهم بـ«النهار الإسلامي»، الذي يؤكد أن هناك فئة من المسلمين تنعزل، بكامل رغبتها، عن النموذج الجمهوري لفرنسا. هل يريد القول إن الجمهورية تنادي بالعري؟
قد لا يكون المرء من أنصار البوركيني. وقد يحب التفرج على البيكيني. لكن سؤال الحرية الشخصية يبرز صريحًا. كيف تُحرم مواطنات فرنسيات من السباحة باللباس الذي يريحهن وهن في متنزه مُغلق مُستأجر، أي في حيز خاص؟ إن امرأة تحب الخروج إلى الشمس والنزول إلى البحر والتمتع بالسباحة لا يمكنها، على الأرجح، أن تربي ولدًا داعشيًا. والمفارقة هي أن هناك، على الشاطئ ذاته، أكثر من مستعمرة للعراة. وهي مناطق خاصة أو مفتوحة. ولم يتحرك أي عمدة لمنعها. والسبب هو احترام الحرية الفردية. هل أن حرية العاري أهم من حرية لابس السروال؟
تأتي واقعة البوركيني مترافقة مع خبر نشرته صحيفة الـ«فيغارو» تبشّر فيه قراءها بقرب افتتاح مطعم للعراة في باريس. وهي تجربة كانت قد ظهرت في العاصمة البريطانية لندن حيث حجز 46 ألف زبون وزبونة موائدهم قبل الافتتاح. وصاحب المطعم ينوي التوسع في عواصم أخرى تسمح أعرافها بهذا النوع من الممارسات. وهنا تبرز، مرة أخرى، حجة الحرية الخاصة التي يكفلها القانون ما دامت في المجال المحدد لها ولا تصطدم بحرية الغير. أما البوركيني المحبوس داخل الأسوار فمن غير الواضح كيف كان سيزعج الغير. كأن تغطية الجسم باتت تجرح أنظار الآخرين، بخلاف الجسد المكشوف ربّي كما خلقتني.