توماس فريدمان
TT

«أصحاب الإنترنت» و«أصحاب الجدار»

أجل، لدينا انتخابات رئاسية وطنية في الوقت الراهن. وأجل، تجري المنافسة الآن بين حزبين كبيرين في البلاد. ولكن كلا، ليست المنافسة بينهما كما يتوقع أغلب المتابعين. فهي ليست منافسة بين الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري. إن هذه الانتخابات في حقيقة أمرها بين «أصحاب الجدار» في مقابل «أصحاب الإنترنت».
والتركيز الأول لـ«أصحاب الجدار» هو العثور على ذلك الرئيس الذي يستطيع إغلاق تلك المروحة العاملة في أماكن عملهم – ويقصدون بها رياح التغيير العنيفة التي تعصف الآن بكل أسرة – حيث تهدد الآلات والماكينات وظائف العمال وشركات أصحاب الأعمال، في أحيائهم السكنية.
قد تبدو رغبة «أصحاب الجدار» في إيقاف التغيير رغبة غير واقعية، ولكن، إحقاقًا للحق، لا يتعلق الأمر فقط بالعرق أو الطبقية، بل إنه يتعلق أيضًا بالحنين إلى «المجتمع» – يتعلق بـ«المنزل» بمعناه الأعمق الكبير، ذلك الشعور أن الأشياء غير الملموسة التي تربطنا بهذا العالم، وتمنحه معناه الحقيقي، تتلاشى وتزول من بين أيدينا.
ولـ«أصحاب الجدار» مرشحان يختارون بينهما: أحدهما هو دونالد ترامب، الذي يفاخر بأنه «الرجل المقصود»، الذي يمكنه وقف اندفاع الرياح من خلال تشييد الجدار، والمرشح الآخر هو بيرني ساندرز، الذي يعد بإيقاف الرياح العاصفة عن طريق تعطيل الصفقات التجارية الأميركية الكبرى، وعن طريق الإطاحة بـ«الرجل المقصود» وأصحاب الملايين، والمليارات، والبنوك العملاقة.
ويتفهم «أصحاب الإنترنت»، بصورة غريزية، أن الديمقراطيين والجمهوريين بنوا قواعدهم السياسية والانتخابية بالأساس استجابة لتداعيات الثورة الصناعية، والصفقة الجديدة، والحرب الباردة. ولكن في العصر الحاضر، فإن الحزب السياسي في القرن الحادي والعشرين يحتاج لأن يؤسس منصته الانتخابية استجابة للتغييرات السريعة للغاية في التكنولوجيا، والعولمة، والتغيرات المناخية.
وعلى هذا النحو، فإن غريزة «أصحاب الإنترنت» تدعوهم إلى تبني التغيير، من خلال وتيرة التغيير الراهنة، والتركيز على تمكين المزيد من الناس حتى يكونوا قادرين على المنافسة والتعاون في عالم من دون جدران. ومن الناحية العملية، يتفهم «أصحاب الإنترنت» أنه في أوقات التغيير السريع، فإن النظم المفتوحة تتسم بالمرونة العالية، والقدرة الدافعة الكبيرة. وبالتالي، فإن «أصحاب الإنترنت» يفضلون المزيد من التوسعات التجارية، على طول خطوط الشراكة عبر المحيط الهادي، والمزيد من الهجرة المنظمة التي تجذب العقول الأكثر ذكاء، والسواعد الأكثر نشاطا.
ولأن الحزب الجمهوري ظل خارج أسوار البيت الأبيض خلال السنوات الثماني الماضية، فإن قاعدة الحزب الشعبية، أقل إدراكًا للعالم الذي نعيش فيه. وذلك هو السبب وراء انقسامات الحزب الجمهوري في المقام الأول، وأن بعضًا من «أصحاب الإنترنت» الجمهوريين، مترددون في خوض تلك الانتخابات لصالح حزبهم الرئيسي، أو قد يفكرون في التصويت لصالح هيلاري كلينتون على المعسكر الآخر.
وفي أثناء شغلها لمنصب وزيرة الخارجية، كانت السيدة كلينتون تلامس العالم الخارجي بأيديها في كل يوم. وهي تعلم أن الولايات المتحدة قد أسست مستقبلها على منصات «أصحاب الإنترنت». لكن السيدة هيلاري لم تظهر ذلك القدر من الشجاعة الذاتية، أو إيمانها العميق بمعتقدات زوجها السياسية الراسخة.
لذا، بدلاً من التعويل على «أصحاب الجدار» في حزبها، فإنها باتت الآن تواجه «أصحاب الجدار». إنها تعارض الأشياء التي كانت تتفاوض بشأنها، مثالاً باتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي، وتعرض المزيد من الفوائد من الحكومة، ولكنها تمتنع عن إخبار الناس بالحقيقة المرة: أن تكون من أبناء الطبقة المتوسطة، وأن تعمل بمنتهى الجدية وتلعب وفق القواعد الموضوعة، لن يفيدك بعد الآن. وللحصول على وظيفة مدى الحياة، فأنت تحتاج إلى التعلم مدى الحياة، والتحسين المستمر من مستوى إمكاناتك.
ومما يُحسب لها، رغم كل شيء، أنها اختارت مرشحا عظيما يشاركها سباقها الانتخابي نحو البيت الأبيض، وهو السيناتور تيم كين، وهو من أنصار توجه الإنترنت قلبا وقالبا.
ومن ثم، فكل شيء قائم على التحالف الذي أسسته السيدة كلينتون. وإذا كان مقدرًا للولايات المتحدة الازدهار في القرن الحادي والعشرين، فإننا في حاجة ماسة إلى تحالف يمكنه الحكم بذكاء في عصر التغيرات السريعة. ولدى السيدة كلينتون الفرصة لأن تحطم، ليس فقط السقف الزجاجي للنساء، ولكن أيضًا الجدران الصلبة التي قسمت الحزبين الكبيرين لدينا من الداخل. فإذا ما تمكنت من فعل ذلك، فسوف يكون فوزها بمنصب رئيسة البلاد هو ثاني أهم إنجازات حياتها السياسية قاطبة.
* خدمة «نيويورك تايمز»