محمد رُضا
صحافي متخصص في السينما
TT

بطولات إنسانية

في سان دييغو، كاليفورنيا، اجتماع سنوي يقع في كل يوليو (تموز) يحضره بعض كبار الشخصيات الترفيهية وعدد كبير من الأبطال الخارقين للعادة. لا. ليس الاجتماع مباريات رياضية في رفع الأثقال أو ألعاب القوى المختلفة، بل مؤتمر سينمائي يجلب إليه الأبطال الخياليين في شخوص ممثليها، ويعرض بعض المشاهد مما تم تحضيره في هوليوود من أفلام «السوبر هيرو».
و«السوبر هيرو» بالطبع ليس مجرد بطل عادي يدافع عن المبادئ والقيم الوطنية أو الاجتماعية، بل بطل يتمتع بما لا يتمتع به الأبطال العاديون، فما البال بي وبك وسائر الناس؟
هو يطير. يحارب قوى بالغة القوّة بدورها. ينقذ حياة الأبرياء بلمح البصر. يحارب كل أنواع الجريمة، وفي المقدّمة الجرائم المنظّمة. يتصدى للأعداء القادمين من الفضاء. يدمر الوحوش الميكانيكية والإلكترونية وينقذ العالم، ولو لهذا الفيلم على الأقل، وبانتظار الفيلم المقبل.
عندك من دكتور سترانج إلى باتمان، ومن ووندر وومان إلى سوبرمان، مرورًا برجال إكس، سبايدر - مان، كابتن أميركا، كابتن مارفل، آيرون مان، ذا هوك، ذا هالك، بلاك ويدو، ثور، حراس المجرة.. وهؤلاء هم بعض المعروفين عالميًا، بفضل ما تبنته هوليوود وصنعت عنه أفلامًا ومسلسلات، بينما هناك عشرات أخرى من الشخصيات غير الشهيرة أو غير المعروفة إلا لمتابعيها المتيّمين في ينبوعها الأم: مجلات الكوميكس الورقية.
كل واحد من هذه الشخصيات له خصائص تختلف وتلتقي: كلهم أبطال أقوياء فوق العادة. بعضهم يطير بمد يديه أمامه، بعضهم يطير برفع يديه إلى أعلى، بعضهم يطير بفضل جهاز مثبت على ظهره. البعض يقاتل مستخدمًا هراوة لا يقدر على حملها إلا هو. آخرون يقاتلون بإشعال النار أو بالتسبب في شل قدرات العدو بإحداث الجليد أو باستخدام قوّته البدنية العملاقة. هناك من يجيد رمي السهام التي لا تنتهي من جعبته، وآخر يستخدم خناجر تخرج من بين أصابع يديه.. الحالات لا تنتهي.
على أرض الواقع فإن الصراع الحقيقي موجود بين نوعين من الأبطال. عائلتان من شخصيات «السوبر هيرو»، واحدة اسمها DC Entertainment وأخرى اسمها Marvel، وكلتاهما أصبحت من كبرى شركات الإنتاج الهوليوودية، وتضم ممثلين من أكبر النجوم من بينهم (حاليًا) بن أفلك، ورايان رينولدز، وكريس إيفانز، وسكارلت جوهانسن، وروبرت داوني جونيور، وكريس همسوورث، وهنري كافيل وسواهم الكثيرون.
أما الإيرادات فبالمليارات.. هذه وحدها تحتاج لهيئة مستقلة لكي تحصي وتحسب.
العالم من الصين، التي تربّت على مبادئ مناهضة للبطولة الفردية، إلى جنوب أفريقيا، ومن صالات القاهرة إلى صالات ريو دي جانيرو، مشغول بها حتى صرنا بحاجة إلى «سوبر هيرو»، لتخليصنا من هذا الكم من الخزعبلات، وفي الوقت الذي لا يلتفت فيه أحد إلى البطولات الإنسانية المهدورة من دون أي نصيب من الظهور؛ الرجل الذي يفتدي بروحه ابنه أو عائلته. الموظف الأمين الذي يرفض الرشوة. المرأة التي تعمل لتعيل. المبدع الذي يسعى لاختراع ما هو مفيد. عامل الإنقاذ الذي يتدخل في اللحظة المناسبة لإنقاذ حياة من الغرق بعدما تاه قارب اللجوء غير المشروع في مياه البحر.. وخذ على ذلك مئات الأمثلة.
تضحيات وبطولات تمر تحت رادار الحياة اليومية ولا يلتفت الإعلام صوبها ولا شاشات السينما. البطل الحقيقي لا يحتاج لأن يشكره أحد. لكن الناس تحتاج لأن تعلم أن هناك من لا يزال ينطلق من مبادئ إنسانية محضة، لينجز في الواقع ما لا يلتفت إليه البطل السينمائي الخارق.