د. حسن محمد صندقجي
طبيب سعودي واستشاري قلب للكبار بمركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
TT

زيارة طبيب العيون.. إجراء وقائي

ماذا لو أن أحدًا ما لا يشكو من أي أعراض مزعجة أو مُؤلمة في عينيه أو أنه يشعر بأن قدرة الرؤية لديه كافية، هل عليه أن يزور طبيب العيون طلبًا لفحصهما والتأكد من سلامتهما وكفاءة أدائهما عملهما؟ هذا السؤال كان محل البحث في دراسة فريق من الباحثين من جامعة واترلو في أونتاريو بكندا، نشرت نتائجها ضمن عدد يوليو (تموز) للمجلة الطبية «البصريات وعلوم الرؤية» Optometry and Vision Science..
وأفاد الباحثون بأن الخضوع الطوعي لإجراء فحص اعتيادي للعين، حتى عندما لا تكون لدى المرء أي شكوى عينية، بإمكانه اكتشاف مشكلات صحية في العين، والتعرف عليها وملاحظتها، خصوصًا لدى كبار السن بنسبة تفوق المتوقع.
وعلقت الدكتورة إليزابيث أريفينغ، طبيبة العيون والباحثة الرئيسة في الدراسة، بالقول: «حينما يتم فحص عيون أولئك الأصحاء الذين لا يشكون من أي أعراض عينية لدى طبيب العيون، يتضح لدى نسبة مهمة منهم وجود حالات مرضية وقصور في عمل العينين بما يتطلب القيام بإجراءات علاجية لهم».
وأضاف الباحثون أن أكثر من نصف الناس ممنْ لا شكوى جديدة لديهم عن أعينهم أو قدرات إبصارهم، يتم بالفعل بعد إجراء الفحص العيني لهم، تقديم وصفات علاجية أو إجراء تغيرات في طريقة معالجتهم نتيجة لما يظهر للطبيب أثناء إجراء الفحص الطبي الدقيق لتراكيب وأجزاء العين، وتحديدًا يتم الاضطرار إلى تقديم وصفات تغيير علاجية طبية لمعالجة بعض الاضطرابات المرضية في العين بنسبة اثنين لكل خمسة أصحاء يُجرى لهم فحص العين دونما شكوى منهم ابتداءً.
وإضافة إلى ذلك يتم اكتشاف مشكلة صحية في العين لأول مرة يتم التعرف على وجودها لدى 16 في المائة منهم، كما يتم إجراء تغيرات لطريقة المعالجة لدى 31 في المائة من أولئك الذين لديهم اضطرابات صحية في العين، لكن لا يشكون من أي أعراض مزعجة أو مؤلمة.
وتبينت هذه النسب في نتائج الدراسة بعد أن شمل البحث الطبي هذا نحو 6400 شخص ممنْ زاروا عيادة عيون المستشفى الجامعي خلال العام الماضي، منهم 40 في المائة أكدوا تحديدًا أنهم لا يشكون من تشويش في الرؤية أو صداع أو أي أعراض مرتبطة بالعين. وكانت النسبة الأعلى في الخروج بنتائج بضرورة إجراء معالجات لمشكلات صحية في العين هي بين كبار السن، وتحديدًا احتاج 8 في المائة من الأطفال لتلك التغيرات العلاجية التي تبين ضرورتها نتيجة فحص العين، بينما كانت النسبة 78 في المائة لدى منْ تجاوزا عمر 65 سنة.
ولاحظ الباحثون أيضًا أن نسبة عالية من المرضى الذين لديهم مشكلات صحية في العيون ويتلقون معالجات لها، ترتفع بينهم نسبة من يحتاجون إلى إجراء تغيرات في طريقة معالجة مشكلات العيون لديهم نتيجة لطول المدة الزمنية الفاصلة بين زياراتهم الروتينية لطبيب العيون، الأمر الذي جعل الباحثين يطلبون ضرورة أن يتم الاهتمام من قبل الناس في زيارة طبيب العيون بشكل أكبر، وأن لا يُترك الأمر إلى حين بدء الشكوى من أعراض بصرية أو أي أعراض مرضية أخرى في العينين.
وفي مقاله التحريري كتعليق على نتائج الدراسة، قال الدكتور أنتوني أدامز، مساعد رئيس تحرير مجلة البصريات وعلوم الرؤية: «غالبًا ما يُخفق عموم الناس في إدراك حقيقة أن ثمة حاجة لإجراء فحص العين حتى عندما لا يكون لدى المرء أي شكوى منهما، ونتائج هذه الدراسة تقدم الأدلة الواقعية التي تجعل من المبرر والمفهوم جعل زيارة طبيب العيون لفحص العينين إجراء روتينيًا بشكل دوري».
وأضاف: «تزداد أهمية هذا الأمر لدى أولئك الذين لديهم أمراض مزمنة من المعلوم سلفًا طبيًا أنها تُؤثر على سلامة تراكيب وأجزاء العينين، كمرضى السكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض العيون الأخرى كغلوكوما الماء الأزرق وحالات الضمور البُقعي في الشبكية (Macular Degeneration)».
وقال الباحثون إنهم لاحظوا أن الصغار ومتوسطي العمر ينتظرون سنوات عدة قبل ذهابهم للمتابعة لدى طبيب العيون، وفي المتوسط ثلاث سنوات، ولاحظوا في نتائج الدراسة أن تأخير طول تلك المدة الزمنية هي عنصر مرتبط بارتفاع نسبة اضطرار الطبيب إلى وصف تغيرات في الإجراءات العلاجية التي يتعين عليهم اتباعها لتصحيح مسار خطة معالجتهم. وأضافوا أن ملاحظتهم لنسبة خمسين في المائة للحاجة إلى إجراء تغيرات علاجية، يجعل من زيارة طبيب العيون عملاً منتجًا بشكل إيجابي في تحسين الصحة لأولئك الذين لا يشكون بالأصل من أي أعراض مرضية في العينين.
وكانت الأكاديمية الأميركية لطب العيون قد ذكرت في إرشاداتها الحديثة أن إجراء الفحص للعين هو مفتاح الوقاية من الإصابة بالعمى ومن الإصابة بضعف الإبصار. وتؤكد غالبية البالغين يحتاجون فحصًا شاملاً للعينين في بداية الأربعينات من العمر. وللأعمار ما بين عمر 40 و54 سنة، يحتاج الذين لم يتم تشخيص أي أمراض لديهم في العين إلى زيارة طبيب العيون مرة كل سنتين على أقل تقدير، وما بين عمر 55 و64 سنة يحتاجون إلى ذلك مرة كل عام.
والواقع أن الفحص الروتيني الوقائي، الذي لا يكون بسبب أي أعراض مرضية، هو إحدى استراتيجيات التعامل السليم في الحفاظ على ثروة الإبصار الصحية. والأهم من هذا، على الرغم من توضيح الدراسة إيجابيات الفحص الروتين للأصحاء، معرفة الأعراض العينية التي تتطلب سرعة مراجعة طبيب العيون لإجراء فحص العينين. والأشد أهمية هو إدراك المرضى الذين يُعانون من أمراض مزمنة من المعلوم أنها قد تتسبب بمضاعفات سلبية على العينين ضرورة وضع زيارة طبيب العيون ضمن أحد المواعيد الطبية المهمة.
والأعلى أهمية إدراك المرضى الذين لديهم بالفعل أمراض في أحد أجزاء العين، كالشبكية والقرنية والملتحمة وغيرها، ضرورة اتباع توصيات الأطباء في تطبيق المعالجات الموصوفة لهم وضرورة الحرص على الحضور إلى العيادة للمتابعة العلاجية.