طارق الحميد
صحافي سعودي، عمل مراسلاً في واشنطن. تدرَّج في مناصب الصحيفة إلى أن أصبحَ رئيس تحرير «الشرق الأوسط» من 2004-2013، ورئيس تحرير مجلة «الرجل» سابقاً. محاضر دورات تدريبية في الإعلام، ومقدم برنامج تلفزيوني حواري، وكاتب سياسي في الصحيفة.
TT

تركيا.. هل هو أخطر صراع «إسلاموي»؟

عندما تصرُّ الحكومة التركية على اتهام الداعية الإسلامي فتح الله غولن بالوقوف خلف محاولة الانقلاب الفاشلة، ويهدد رئيس الوزراء التركي بأن أي دولة تحمي غولن هي في «حرب مع تركيا»، فإن ذلك لا يعني فقط أننا أمام أزمة تركية - أميركية، وإنما نحن أمام أخطر صراع إسلاموي في المنطقة.
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان رمز من رموز الإسلام السياسي، والداعية فتح الله غولن هو رجل إسلامي يحسب على الصوفية، وتُتهم أتباعه بـ«التقية»، ويُقدم على أنه معني بالاعتدال، والحرص على الديمقراطية، والانفتاح على العالم، ويُوصف بأنه «أب الإسلام الاجتماعي»، وإن كان يبدو أكبر من ذلك، بل رجل غامض، كما يصفه بعض الإعلام الغربي، خصوصا أنه غادر تركيا عام 1999 بعد رفع السلطات قضية جنائية ضد جماعة غولن باعتبارها تمثل تهديدا للدولة المدنية، وبثت قناة تلفزيونية وقتها تسجيلا مصورا لخطبة لغولن يتحدث فيها أمام أنصاره عن أن هدفه هو إقامة نظام إسلامي في تركيا، مشيرا إلى الأساليب التي تساعد على تحقيق ذلك، ومنها ضرورة اختراق المؤسسات الحكومية تمهيدا للسيطرة على السلطة، ويقول غولن إن التسجيل حُرِّف.
وبالطبع فإن الرئيس إردوغان وغولن كانا حليفين، وبالتالي فإن خلافهما الآن، وبهذا الشكل، يعني أننا أمام أخطر صراع إسلاموي سياسي، وليس صراع نفوذ شخصي، بين أبرز نخب الإسلام السياسي بمنطقتنا، وبحسب مقال للسفير البريطاني السابق في تركيا بيتر ويستماكوت في صحيفة «الفايننشال تايمز»، فإن الرئيس إردوغان والداعية غولن «كلاهما إسلاميان يحملان الرؤية نفسها لبلادهما». وعليه فعندما يقول الرئيس إردوغان إن محاولة الانقلاب الفاشلة «هدية من الله لتطهير الجيش»، ويهدد رئيس وزرائه بأن أي دولة تؤيد غولن «تشتبك في حرب جادة مع تركيا»، فذلك يعني، سواء كان غولن متورطا في محاولة الانقلاب، أو لا، أننا أمام صراع إسلاموي خطير تكمن خطورته في إقحام الجيش التركي فيه، وهو من أقوى المؤسسات هناك، رغم أن البعض في الجيش يرى أن غولن يشكل خطرا أكبر على الإرث الأتاتوركي من إردوغان.
وكذلك يُجر إلى هذا الصراع المؤسسات القضائية، والتعليم، والإعلام، وفوق هذا وذاك يتم التصعيد مع أميركا، مما يعني التأزيم مع الاتحاد الأوروبي، المتشدد فعليا مع حملة الاعتقالات التركية الحالية، مما سيجر الناتو لهذه الأزمة، وبالتالي تهديد مكانة تركيا فيه، وهو ما سيشكل خطرا بالطبع على الاقتصاد التركي من أهم نقاط قوة إردوغان، ومصدر مشروعيته داخليا. كما سيكون لهذا الصراع تداعيات خطرة على المنطقة ككل، وتحديدا في العراق وسوريا، ومكافحة الإرهاب، وأكثر. ورغم عدم اتضاح من يقف فعليا خلف محاولة الانقلاب الفاشلة، لكنَّ الواضح هو أن تركيا دخلت مرحلة صراع إسلاموي خطير، سيكون له تبعات داخلية وخارجية، ولذا فربما نحن أمام أخطر صراع إسلاموي بمنطقتنا.
[email protected]