ديانا مقلد
كاتبة واعلاميّة لبنانيّة
TT

أدوار حزب الله

لم يصدر حزب الله أي موقف رسمي من تفجير عبوة في أحد المصارف اللبنانية، رغم أنه أسهب في المواقف حيال الأوضاع في البحرين في الفترة نفسها. ولم يشعر بالحرج حيال الحملة الإعلامية والتعبئة التي سبقت العملية، وكانت تستهدف المصارف، بسبب تشددها في تطبيق العقوبات الأميركية ضده، بل بالعكس، فقد اعتبر كل ما يحصل مؤامرة ضده. المفارقة أن الحملة على المصارف تركزت تحديدا على المصرف الذي طاله التفجير، واستهدفته بالاسم. لكن لا بأس فهذه حجة ضعيفة بالنسبة إلى مناصري الحزب والمدافعين عنه؛ فهل يُعقل أن يستهدف الحزب مصرفًا بحملة إعلامية ثم يعمد إلى تفجيره؟!
يا لسذاجتنا!
أبقى الحزب نفسه ظاهريًا وإعلاميًا بعيدًا عن التفاعلات التي أعقبت العملية، واكتفى باستثمار نتائجها التي صبت في صالحه تمامًا، إذ يبدو أن تسوية تم فرضها تتيح بعضًا من التساهل المالي حيال مؤسسات وأفراد تابعين للحزب. هنا بدت محاولات بعض الدوائر المقربة من الحزب في تصويره ضحية أبدية لتشويه السمعة، محاولات سمجة، ففي الحقيقة لم يعد يبالي الحزب كثيرًا بصورته، فهو تجاوز منذ زمن مرحلة الحرج، ومحاولات الاهتمام بالسمعة، فالمعركة المفتوحة التي أعلنها حزب الله وإعلامه ضد المصارف عمومًا، بل وضد المصرف الذي استُهدف بالتفجير، لم تتوقف، واستمرت حتى ما بعد العملية. أما العناوين الممجوجة التي صدرت تقول كيف يمكن للأمور أن تكون على هذا القدر من الوضوح؟ بمعنى: هل من المنطقي أن يشن الحزب حملة على مصرف ما ثم يفجره في اليوم الثاني، لكن لا مانع من أن يستفيد من نتائجه.. فهذه قراءة تستخف بالحقائق التي كابدناها في العقد الماضي.
في الحقيقة، الأرجح أن الأمور باتت فعلاً على هذا القدر من الوضوح، وتفجير المصرف ليس سوى استكمال لذاك النهج الحاصل من افتعال أمر أمني في البلد، يجري استثماره سريعًا عبر استكمال مزيد من السيطرة. حين حاولت الدولة تطويق شبكات الاتصال غير الشرعية هجم حزب الله في وثبته الشهيرة التي عرفت بـ«غزوة 7 أيار». القيادي وليد جنبلاط انصاع للحزب بعد عراضة القمصان السود في شوارع بيروت، التي أثمرت حكومة يرضى عنها حزب الله. وقبل سنوات ثلاث، وقبل أن نشهد فراغًا في منصب رئيس الجمهورية سقطت صواريخ قرب قصر الرئاسة بعد أن أطلق رئيس الجمهورية آنذاك ميشال سليمان تصريحات عالية النبرة بشأن اختراق حزب الله لحدود لبنان، وقتاله إلى جانب النظام السوري، وها نحن الآن مرّ علينا عامان من دون رئيس جمهورية، بسبب عرقلة حزب الله.
وذاكرتنا لا تنضب جراء تكرار الأحداث الأمنية التي افتعلها الحزب أو من هم في محيطه، في سبيل تطويع مسار السياسة اللبنانية، بما ينسجم حصرًا مع أدوار الحزب ووظيفته الإقليمية. لقد رفض حزب الله منذ نشأته أن يكون كل السلاح بيد الدولة، فدافع مستندًا إلى الدعم الإيراني والسوري والانكفاء المحلي والعربي عن قدراته العسكرية التخريبية، فتمدد بحجة المقاومة وحاجاتها، جاعلاً من لبنان قواعد تلبي رغبات إقليمية قادت جميعها لبنان نحو خيارين؛ إما الفناء بالقتال والحروب، وإما الذوبان جراء العزلة.
[email protected]