عثمان ميرغني
كاتب وصحافيّ سوداني، نائب رئيس التحرير السابق لصحيفة «الشرق الأوسط». عمل في عدد من الصحف والمجلات العربية في لندن. متخصص في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية ومهتم بقضايا الاقتصاد العالمي والمناخ والبيئة.
TT

ضحالة ترامب في عدائه للمسلمين

بدا الرئيس الأميركي باراك أوباما غاضبًا، أول من أمس، وهو يرد على المرشح الجمهوري المحتمل لانتخابات الرئاسة دونالد ترامب، وعلى تهجمه المتواصل على المسلمين والمهاجرين، الذي جدده في أعقاب مجزرة أورلاندو هذا الأسبوع. وحذر أوباما مما وصفه بـ«العقلية الخطرة» التي تروج للعداء للمسلمين والكراهية للمهاجرين، معتبرًا أنها تهدد النسيج الاجتماعي للمجتمع الأميركي، وتقوض القيم والمبادئ المضمنة في دستور «الآباء المؤسسين» التي قامت عليها أميركا.
كثير من المعلقين توقفوا أمام الغضب المكتوم الذي بدا على وجه أوباما وهو يرد على غوغائية ترامب وعنصريته، لا سيما أن الرئيس الأميركي عرف ببرود أعصابه. لكن يبدو أن الكيل قد طفح بعدما استغل ترامب المجزرة التي نفذها الأميركي من أصل أفغاني عمر متين في أورلاندو، ليجدد الدعوة لحظر دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة. ترامب لم يتوقف عند ذلك، بل ذهب إلى حد اتهام أوباما تلميحًا بالتواطؤ مع «الإسلام الإرهابي الراديكالي»، قائلاً إن الرئيس «لا يريد حتى استخدام تعبير الإرهاب الإسلامي الراديكالي»، و«إن هناك أمرًا (غير سوي) يحدث».
اعتبار أن أوباما، الذي زعم ترامب أنه «مسلم في الخفاء»، ضالع أو متواطئ في الهجمات الإرهابية على بلاده التي ينفذها منتسبون إلى الإسلام، يتجاوز نظرية المؤامرة، ليدخل في باب الخبل والضحالة. كما أنه يسلط الضوء على كره ترامب للمسلمين، وإصراره على اعتبار كل مسلم ضالعًا في الإرهاب، ولو كان هذا المسلم بالحق أو بالباطل رئيسًا لأميركا، وفق زعم وفهم المرشح الجمهوري العبقري.
ترامب هاجم أوباما، وشكك في محاربته للإرهاب، لأنه يرفض استخدام تعبير «الإرهاب الإسلامي الراديكالي»، وكأن مجرد استخدام هذا التعبير يمثل قمة التفكير الاستراتيجي في حرب الإرهاب. استخدام هذا التعبير أو غيره، كما قال أوباما، لن يحدث فرقًا، ولا يمثل في حد ذاته خطة أو استراتيجية لحرب معقدة مثل حرب الإرهاب. كما أن كل من له عقل سوي متجرد من الأهواء والغرض، يفترض أن يعرف أن الإرهاب لا يعبر عن غالبية المسلمين، أو عن دينهم. فالإرهابيون قلة مارقة، يتبرأ منها ومن أفعالها جل المسلمين، الذين يموت منهم في جرائم الإرهاب أكثر ممن يموتون في أي مكان. أضف إلى ذلك أن الإرهاب مارسه في مراحل متفاوتة منتسبون إلى مختلف الديانات، ومنهم بالطبع مسيحيون أميركيون، لكننا لم نسمع بمن يدمغ المسيحية، أو أي ديانة أخرى غير الإسلام، بالإرهاب.
هناك مفارقة أخرى في تصريحات ترامب، وهي أن عمر متين مواطن أميركي، مولود في الولايات المتحدة، لأبوين مهاجرين، فهل يريد ترامب طرد كل مسلمي أميركا، واعتبارهم كلهم إرهابيين؟
المتطرفون من أمثال ترامب، الذين يظهرون عداء للإسلام، ويحاولون دمغ المسلمين كلهم بالإرهاب، يخدمون في الواقع الإرهابيين وتنظيماتهم، ويساعدونهم في دعاياتهم للترويج لخطاب التطرف، وفي مساعيهم للتغرير بالشباب وتجنيدهم بدعوى الدفاع عن الإسلام في وجه الهجمة التي يتعرض لها.
مواقف المرشح الجمهوري الغوغائية والعدائية باتت معروفة لكثرة ما كررها. لكن المشكلة أنه عندما يتحدث اليوم، ويبث سمومه ضد المسلمين والمهاجرين، فإنه يتحدث باعتباره المرشح المحتمل للحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة، بعدما حصد الأصوات المطلوبة في الانتخابات الحزبية التمهيدية. لم يعد الرجل مجرد شخصية سياسية هامشية وغوغائية، يمكن تجاهل تصريحاته باعتبارها مجرد هراء صادر من ملياردير مغرم بالأضواء. كذلك لم يعد ممكنًا تصوير عباراته العنصرية على أنها هفوات وزلات لسان، أو أنها مواقف تكتيكية انتخابية ستتغير بمجرد دخوله البيت الأبيض، إذا فاز على هيلاري كلينتون. فكيف يمكن اعتبار استثارة مشاعر الكراهية موقفًا تكتيكيًا؟ ولماذا يجب تبرير استخدام العنصرية والكراهية كورقة انتخابية أو غير انتخابية؟
انتخاب ترامب مرشحًا للحزب الجمهوري، إذا اعتمد في المؤتمر الحزبي المقرر في يوليو (تموز) المقبل، سيكون وصمة عار على الحزب الذي سمح لرجل مشكوك أصلا في انتمائه للحزب بأن يصل إلى هذا الموقع. وليس مقنعًا الكلام الذي يسمعه المرء يتردد على لسان قادة الحزب الجمهوري للتبرؤ من تصريحات ترامب التحريضية، فالرجل سيصبح وجه الحزب وممثله في انتخابات الرئاسة، وإذا لم يكن الحزب مقتنعًا به وبمواقفه، فليوقف هذه المغامرة الخطرة.
قد يقول قائل إن الجمهوريين لم يعودوا قادرين على وقف قطار ترامب المنفلت، لأنهم لو فعلوا سيواجهون تمردًا وسخطًا من القواعد التي صوتت له في الانتخابات التمهيدية. عقلاء الحزب يدركون هذه المخاطرة، لكنهم يرون أن المخاطرة أعظم لا على أميركا فحسب، بل على العالم كله لو أصبح غوغائي فاشي مثل ترامب رئيسًا لأقوى بلد في العالم. وحتى لو فازت هيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية، فإن هناك دروسًا يجب الاستفادة منها لمواجهة الخطاب المعادي للمسلمين والمهاجرين الذي يوظفه متطرفون من أمثال ترامب في أميركا أو في أوروبا.