ديانا مقلد
كاتبة واعلاميّة لبنانيّة
TT

الطريق إلى الفلوجة

شعرت الحكومة العراقية بالارتباك حيال ردود الأفعال الدولية الشاجبة للانتهاكات التي رافقت عملية اقتحام الفلوجة فاختارت التبرير التقليدي في حالات كهذه، أي الهروب نحو تحميل الإعلام الملامة. فحكومة حيدر العبادي، خصصت بيانًا مفصلاً لتفنيد ما يقوله الإعلام العربي حيال ما رافق العملية العسكرية، التي هدفت لاستعادة الفلوجة من تنظيم داعش، خالصة إلى أن المقاربات الإعلامية بالغت في تصوير تجاوزات فردية. وفعلا، لربما وقع بعض الإعلام في فخ الاستقطاب السياسي والمذهبي في مقاربة الهجوم الذي تشنه القوات العراقية الحكومية بمؤازرة من قوى الحشد الشعبي لاستعادة الفلوجة.
لكن، هل هذه الحجة مقنعة للحكومة العراقية نفسها قبل الحديث عن رأي عام عربي ودولي لاستيعاب ذاك الكم من الانتهاكات، التي وثقتها صور وفيديوهات وشهادات دولية ومن إعلام غربي أيضًا وليس عربيًا فقط؟
معركة الفلوجة تحمل أحد الأوجه الحقيقية العارية للصراع المذهبي القائم في المنطقة، فقد أُجبِرَ رئيس الحكومة حيدر العبادي على القبول بقائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني قائدًا ومحركًا لقوات عراقية مقاتلة، جلها من عناصر الحشد الشعبي المذهبي، الذي مارس انتهاكات كبرى. هل كان يمكن عدم إسقاط مضمون عصبي وأهلي لمعركة الفلوجة مع وجه قاسم سليماني مكشوفًا يقود حربًا مذهبية، ولو كان عنوانها جذابًا، أي القضاء على «داعش». والصور التي نقلتها الأخبار والتحقيقات المصورة من هناك، نقلت كم وجد أهل المنطقة أنفسهم عالقين ما بين حقارة «داعش» التي حكمتهم لأشهر طويلة، والآن تستخدمهم دروعًا بشرية، وما بين عناصر موتورة مذهبيًا في القوات العراقية والحشد الشعبي، الذين نُقلت لهم صور كثيرة يمارسون تنكيلاً وعنفًا وإعدامات بحق مواطني المنطقة.
القضاء على «داعش» هدف يتلاقى عنده الجميع، ظاهريًا على الأقل، لكن معركة الفلوجة في السياق المذهبي، الذي تخاض عبره والذي شهدناه في تجاوزات مقيتة ومخيفة ولد مزيدًا من الشحن وخلط الأهداف. في خضم فوضى الحرب على «داعش» مورست أعمال عقابية بحق أهالي الفلوجة ومحيطها، وهذا ما سيخلف مأساة أكبر من الحربين السابقتين، اللتين خاضتهما المدينة خلال حقبة الوجود الأميركي واللتين لم تمثلا على ما يبدو درسًا لمن خاضهما. فقبل عشر سنوات خيضت معارك للقضاء على «القاعدة» في الفلوجة، لكن الأخطاء المتراكمة سواء من القيادة الأميركية أو من الحكومة العراقية، المرعية إيرانيًا، أثمرت وجود «داعش». المهازل التي ارتكبتها السلطة فشلت في استعادة أهل البلدة، بل زادت من عزلتهم وسمحت لـ«داعش» باستخدامهم.
اليوم تخاض هذه المعارك بأخطاء مماثلة وربما أكبر. فما بين الانكفاء الأميركي والخبث الإيراني لا تبدو معركة الفلوجة الثالثة سوى سياق جديد لأيام أكثر فظاعة تنتظرنا في العراق، وهذه فظاعات لن يسلم محيط العراق منها.
إنها تجربة سئمنا تكرارها، ويبدو أن السكان وحدهم هم من يدفعون الثمن. ما يحصل في الفلوجة اليوم ليس مبالغة إعلامية، بل هو تكرار سيئ لأخطاء سابقة حصلت في نفس المكان وبشكل أكثر مذهبية.
فما هي المعركة الناجحة حين يكون قاسم سليماني هو من أعطى ضوءها الأخضر.
[email protected]