خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

المقدسي يضحك على الخلايلة

في عالم الفكاهة والسخرية، نجد أن لكل شعب أقلية يسخر منها. الإنجليزي يضحك على بخل الاسكوتلندي، والألماني يضحك على فجاجة البافاري، والعراقي يضحك على الكردي، والمصري يضحك على الصعيدي، والإيرانيون يضحكون على التركمان، والسوريون يضحكون على الحمامصة... وهلم جرا. وفي إطار مشاعر كره الذات، التي غرق بها الفلسطينيون في السنوات الأخيرة نتيجة كل هذا التخبط السياسي، وأشار إليها الدكتور كناعنة في بحثه عن النكتة الفلسطينية، أمعن الفلسطينيون في صب سخريتهم على الخلايلة. فقد اعتاد الفلسطينيون تراثيًا على السخرية من سذاجة سكان الخليل. ولدى سقوط المدينة بيد الإسرائيليين في حرب يونيو (حزيران) 1967 أعلنت القيادة الإسرائيلية منع التجول فيها. ما إن سمع السكان بذلك حتى خرجوا بأطفالهم ليتفرجوا على منع التجول!
وفي حكاية أخرى، قيل إن خليليًا ونابلسيًا ومقدسيًا اشتركوا في مقاولة لبناء جسر للسلطة الفلسطينية، على أن يجهز الخليلي الحديد والنابلسي الإسمنت والمقدسي الحجر. ما إن تم بناء الجسر وسارت عليه أول سيارة حتى انهار فورًا وانهدم. ضرب النابلسي يدًا بيد وقال: يا خسارة ضاعت عليّ كل كميات الإسمنت، وقال المقدسي: وأنا ضاعت عليّ كل ما جهزته من أحجار. بيد أن الخليلي ابتسم راضيًا وقال: «الحمد لله. أنا ما خسرت شي من الحديد. حافظت عليه وما حطيت منه شي في الجسر»!
مواقع الإنترنت الفلسطينية مليئة بالنكات والتقليعات عن سذاجة الخلايلة. بيد أنها جميعا - وكما نتوقع من مثل هذه النكات العنصرية - عارية عن الموضوعية كليًا. فأبناء الخليل راحوا يتولون سائر الأعمال في شتى الميادين وبكل نجاح. ولعل هذا سبب هجائهم وغيرة الآخرين منهم. تضايق شخص من مواجهة أبناء الخليل أينما ذهب وفي أي عمل كان. قرر ترك فلسطين هربًا منهم. هاجر إلى الخليج، ولكنه حيثما انتقل هناك رأى خليليًا أمامه. ترك الخليج وقصد أوروبا وإذا به يجدهم هناك أيضًا. في آخر المطاف قرر النزوح إلى الصين. قال، هذا مكان لن يفكر فيه أحد من الخليل أو يذهب إليه. وصل إلى مطار شنغهاي وأخذ التاكسي إلى أحد الفنادق. وفي الطريق خطر له أن يسأل السائق عن اسمه فأجابه قائلا، أنا شونغ مونغ أبو سنينة!
هذه السخرية من أهل الخليل لم تكن قاصرة عليهم وإنما تعرضت لمثلها فئات أخرى من الشعب الفلسطيني. وهي في عمومها إن دلت على شيء فعلى مدى تمزق هذا المجتمع ويأسه من أحواله وقدراته وقياداته وانتشار روح الاكتئاب والانفصام الجماعي بين الشعب ككل.