طارق الحميد
صحافي سعودي، عمل مراسلاً في واشنطن. تدرَّج في مناصب الصحيفة إلى أن أصبحَ رئيس تحرير «الشرق الأوسط» من 2004-2013، ورئيس تحرير مجلة «الرجل» سابقاً. محاضر دورات تدريبية في الإعلام، ومقدم برنامج تلفزيوني حواري، وكاتب سياسي في الصحيفة.
TT

سوريا وإرهابيو روسيا!

على أثر التدخل العسكري الروسي في سوريا حاصر الصحافيون وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في نيويورك، بشهر أكتوبر (تشرين الأول) 2015، ليعطي تعريفا لمن هو الإرهابي بسوريا، عدا عن جبهة النصرة، و«داعش»، وذلك بعد استهداف الروس للمعارضة المعتدلة.
وقتها أجاب لافروف الصحافيين بتململ قائلا: «إذا كان يبدو وكأنه إرهابي، أو يتصرف كإرهابي، أو يمشي كالإرهابي، ويحارب كالإرهابي فهو إرهابي.. تمام؟» هكذا كان تعريف لافروف للإرهاب والإرهابيين بسوريا وقتها. قبل أربعة أيام نشرت وكالة «رويترز» تحقيقا صحافيا خاصا، ومطولا، عن كيف سمحت روسيا لمتطرفيها بالذهاب للقتال بسوريا قبل الألعاب الأوليمبية الشتوية التي أقيمت بمنتجع سوتشي الروسي عام 2014، لأن السلطات الروسية كانت تخشى حينها أن يقوم المتشددون من داخلها باستهداف ذلك الحدث الدولي، والتأثير على صورتها دوليا. وقدمت «رويترز» ست حالات إرهابية حددتها، ورصدتها، بنفسها في سوريا لإرهابيين روس تم منحهم جوازات سفر مزورة، وبتنسيق مع رجال أمن روس، سهلت مغادرتهم من روسيا إلى تركيا، ومن هناك عبروا للأراضي السورية، وانضموا لجماعات إرهابية بايعت لاحقا «داعش»، وقدمت الوكالة رصدا مفصلا لذلك، ورغم النفي الروسي!
والقصة لا تقف عند هذا الحد، حيث ذكر تحقيق «رويترز» المذهل، أن الستة إرهابيين الروس يمثلون نسبة ضئيلة من عدد المتطرفين الذين غادروا روسيا لسوريا. ونقلت الوكالة أن ألكسندر بورتنيكوف، مدير جهاز الأمن الروسي، وبجلسة للجنة مكافحة الإرهاب الوطنية أواخر العام الماضي، قال إنه بحلول ديسمبر (كانون الأول) 2015 غادر نحو 2900 روسي للقتال بالشرق الأوسط. كما نقلت الوكالة عن إيكاترينا سوكيريانسكايا، كبيرة المحللين بمجموعة الأزمات الدولية، أن «اللغة الروسية هي الثالثة التي يتم التحدث بها داخل تنظيم داعش بعد العربية والإنجليزية». مضيفة أن «روسيا هي أحد الموردين المهمين للمقاتلين الأجانب»! ومشيرة إلى أنه «قبل دورة الألعاب الأوليمبية لم تمنع السلطات الروسية المغادرة.. وغادر عدد كبير من المقاتلين روسيا. كانت هناك مهمة محددة وقصيرة الأجل لضمان أمن الألعاب الأوليمبية.. غضوا الطرف عن تدفق الشباب المتطرف» على الشرق الأوسط.
والسؤال هنا هو: إذا أردنا تصديق النفي الروسي لتحقيق «رويترز» الموثق، فكيف لم تلحظ روسيا خروج كل هذه الأعداد، والتي بلغت 2900 إرهابي؟ لماذا لم تطبق روسيا تعريف لافروف للإرهابيين؟ وهل يعقل أن تقول روسيا دائما إنها بسوريا لمكافحة الإرهاب، بينما تقول التقارير المنشورة عن إرهابي «حزب الله» مصطفى بدر الدين الذي صفي في سوريا، وكان مطلوبا للعدالة منذ عام 1985، ومن الكويت مرورا بلبنان، وحتى أميركا، وكان كذلك مطلوبا لمحكمة العدل الدولية، تقول التقارير إنه كان يحضر اجتماعات مع بشار الأسد، ويتولى تنسيقا مع الروس، وكل ذلك تآمرا على الدم السوري المستباح من قبل الأسد، وإيران، وروسيا؟ أمر مذهل!

[email protected]