سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

رؤساء وصحافيون

قال لي الأستاذ أسامة سرايا، رئيس تحرير «الأهرام»، في حينها: «هل ترى جارك أنيس منصور هذه الأيام»؟ قلت: «أحيانًا، عندما يأتي إلى لندن أو باريس». وأخبرني أسامة أن الرئيس حسني مبارك اتصل به وقال له إن مقالات أنيس في «الأهرام»، هذه الأيام، «توحي بأن أنيس زعلان. إحنا مش عاوزين أنيس يزعل».
لم تكن لأي رئيس في العالم، مثل علاقة رئيس مصر بكبار الصحافيين. قبل أن يقرر جمال عبد الناصر أن محمد حسنين هيكل هو كاتبه والناطق باسمه، كان معجبًا بإحسان عبد القدوس. يقرأه ويصغي إليه في الإذاعة، ويطلب إليه المساعدة في نشر أفكاره. لكن إحسان رأى نفسه يومًا في السجن بأمر من الريس الذي قال له الحاسدون إن إحسان يشجع المصريين على الإباحية، ويختم برنامجه كل مساء بجملة «تصبحون على حب». وبعد 3 أشهر اتصل عبد الناصر شخصيًا بآمر السجن، وطلب منه مرافقة إحسان إلى منزله في منشية البكري. وعلى الغداء قال الريس للصحافي العنيد: «ما فيش حاجة تربي غير السجن. ما تخليها (تصبحون على محبة) بدل حب؟».
ورفض إحسان، وأوقف برنامجه. وكان أنيس منصور يروي أن إحسان أغضب فيما بعد الرئيس السادات، الذي كان هو أيضًا معجبًا بإحسان، شخصية وكاتبًا. لكن إحسان رفض أن يتوقف عن النقد. وعندما جاء حسني مبارك اتخذ إحسان منه موقفًا انتقاديًا. وذات يوم فاتح مبارك أنيس منصور بالأمر، فسأله أنيس: «تريدني ألفت نظر إحسان إلى أنك غير راض؟». فرد مبارك؟ أبدًا. سيبوه يكتب حرية ضميره».
ويُخيل إليّ أن علاقة مبارك بالصحافيين كانت الأكثر «حيادًا». عبد الناصر كان يحذّر الصحافة، والسادات كان يهواها وينوي أن يصبح رئيس تحرير «أكتوبر» عندما يتقاعد. وفيما تدخّل عبد الناصر في شؤون الصحافيين وسجنهم وصادقهم، وفيما أحاط السادات نفسه بأكبر عدد منهم، خصوصًا موسى صبري وأنيس منصور، اللذين كانا يكتبان بعض خطبه، فإن مبارك تجنب أن يُحسب على أحد منهم، أو أن يحسب أحد عليه. لكنه تدخّل في مرات نادرة لكي يتوسط من أجل وقف الحملات فيما بينهم، عندما كانت تشتد الخلافات وتتجاوز الحملات المعايير المألوفة. ولعله كان أكثر من فتح باب الحريات أمام الصحافيين، حتى بلغ الأمر بأحدهم أن أعلن وفاته.