زلماي خليل زاد
سفير الولايات المتحدة الأميركية السابق في الأمم المتحدة
TT

حيدر العبادي والمغامرة الخطيرة

يواجه العراق حاليًا ضغوطًا مالية هائلة، مع تداعيات الحرب الراهنة الدائرة ضد تنظيم داعش الإرهابي. وآخر ما يحتاج إليه العراق في الوقت الراهن هو وجود أزمة سياسية كبيرة. ولكن ذلك هو بالضبط ما يبدو ظاهرًا في أفق الأحداث.
بدأت الاضطرابات الأخيرة تلوح في الأفق منذ 31 مارس (آذار) الماضي، عندما تقدم حيدر العبادي، رئيس الوزراء العراقي، بمجلس جديد للوزراء إلى البرلمان، وذلك من حقوقه وصلاحياته الطبيعية بمقتضى منصبه السياسي، ولكنه عمد إلى ذلك من دون موافقة الأحزاب السياسية في البلاد التي تسيطر على البرلمان. والعديد من الوزراء المرشحين من قبل العبادي هم من فئة التكنوقراط الإصلاحيين، وهم وزراء يتمتعون بالنزاهة والسيرة المهنية الممتازة، غير أنهم لا يمثلون الأحزاب السياسية الرئيسية في العراق.
اتخذ العبادي خطواته الأخيرة تحت ضغوط كبيرة. فلقد كان هناك استياء حول عجز الحكومة عن التعامل مع المشاكل الاقتصادية والحكومية العميقة. وعلى مدى شهور، كان النشطاء إلى جانب آية الله علي السيستاني، المرجع الشيعي في العراق، يدعون إلى تطبيق مجموعة من الإصلاحات، بما في ذلك تقليص حجم الحكومة، وتحسين الخدمات العامة، ومكافحة الفساد المستشري في البلاد.
ومن خلال الإعلان عن مجلس وزرائه الجديد، سعى العبادي إلى مجاوزة الزعماء السياسيين العراقيين واستباقهم بخطوة، ربما لأنه يعتقد أنه إذا تقدم بمجلس للوزراء من المؤهلين والمحترمين على المستوى الوطني، سوف تجبر ردود الفعل الشعبية الإيجابية، إلى جانب تأييد السيستاني، الآخرين على الرضوخ والإذعان.
ولكن الأمر لم ينجح تمامًا على هذا النحو. فلقد عارض التشكيل الجديد العديد من اللاعبين السياسيين البارزين من ذوي الأتباع الأقوياء داخل أروقة البرلمان العراقي. ولقد أشار عمار الحكيم، زعيم المجلس الإسلامي الأعلى، وهو من الأحزاب الشيعية القوية في البرلمان، إلى أنه إذا كان التشكيل الوزاري الجديد غير منتم إلى أي حزب سياسي من أحزاب البلاد، فينبغي لرئيس الوزراء المنتمي لحزبه السياسي، أن يستقيل من منصبه. ولقد عمد أحد المرشحين الأكراد، وهو عالم جيولوجي كردي كان مرشحًا لتولي منصب وزير النفط، إلى سحب اسمه سريعًا من التشكيل الوزاري الجديد بسبب، كما أفاد، أن ترشيحه لم يتم عبر أية قناة حزبية كردية معتبرة. كما سحب أحد المرشحين الشيعة البارزين لمنصب وزير المالية والتخطيط اسمه من التشكيل الوزاري أيضا.
سوف تكون المناصب الوزارية لاثنين من الأحزاب الداخلية والخارجية ذات عامل حاسم وكبير في تحديد ما سوف تسفر عنه الأيام المقبلة.
لا يزال نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي الأسبق، متمتعًا بسلطة لا بأس بها في المعترك السياسي وبإمكانه إفساد عملية التشكيل الوزاري الجديدة برمتها. ولكن بعض الدبلوماسيين والسياسيين العراقيين يعتقدون أنه وإن لم يكن سعيدًا ببعض الأسماء المرشحة في التشكيل الجديد، فإنه سعيد بشكل عام بالتشكيل الوزاري ككل؛ نظرًا إلى أنه يحتفظ بمنصب رئيس وزراء البلاد في محيط حزبه ويستبعد أولئك الذين يعتقد أنهم مسؤولون عن التخطيط للإطاحة به في أغسطس (آب) من عام 2014. وسيكون السيستاني اللاعب البارز الآخر في هذا المعترك السياسي؛ حيث إن تأييده لمجلس الوزراء الجديد يحمل قدرًا عظيمًا من الأهمية.
الإيرانيون من جانبهم، والذين يقومون في المعتاد بدور الوسيط بين مختلف الجماعات الشيعية، يساورهم القلق والشكوك بشأن العبادي، الذي يعدونه شديد القرب من الولايات المتحدة. ومع ذلك، فلقد عارضت إيران مؤخرًا خلع رئيس الوزراء العراقي من منصبه. وقد تدرك إيران كذلك أن النجاح النهائي ضد تنظيم داعش المتطرف يتطلب التعامل مع ومعالجة المخاوف السنية العراقية بدلاً من تشجيع الفرقة والطائفية داخل البلاد.
ولقد لعبت الولايات المتحدة دورًا بارزًا في تسهيل الاتفاقيات بين مختلف فئات الشعب العراقي في السنوات الأخيرة. كما أن للولايات المتحدة علاقات عمل وثيقة تربطها بالعبادي، على نحو ما أكدته زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى بغداد الأسبوع الماضي. ولكن المسؤولين في واشنطن، على غرار نظرائهم في طهران، يساورهم القلق بشأن الأزمة السياسية في بغداد، التي قد تؤدي إلى تأخير الحملة العسكرية المنتظرة لاستعادة مدينة الموصل من «داعش».
والنتيجة المثالية المتوقعة سوف تكون الاختيار السريع للتشكيل الوزاري الجديد والمستقل عن مختلف الأحزاب السياسية. وهو أمر لا يمكن تحقيقه من الناحية السياسية في الوقت الحالي. وفي الأثناء ذاتها، يمكن للولايات المتحدة وإيران مساعدة العراق في تفادي الأزمة السياسية من خلال تشجيع القادة العراقيين على منح العبادي بعض - وليس كل - التغييرات الحكومية التي يسعى إليها. ويمكن التفاوض على بقية التغييرات المطلوبة من خلال المقايضات السياسية الحاسمة بين مختلف الأحزاب العراقية.
يتعين على كل من واشنطن وطهران الاهتمام بإيجاد الحلول الفورية العاجلة للأزمة السياسية في بغداد، ومن الأرجح أن يعملا معًا بالتوازي على الوصول إلى تسوية سريعة بين الأحزاب السياسية ورئيس وزراء البلاد. كما ينبغي لواشنطن وطهران التنسيق فيما بينهما والتعامل مع القادة العراقيين لضمان عدم تحول مقامرة السيد العبادي الأخيرة إلى أزمة كبيرة أو خطيرة.

* خدمة «نيويورك تايمز»