نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

دراما الحزام المزيف

لو أن كبار منتجي الدراما التلفزيونية والسينمائية يجيدون اللغة العربية ويتابعون فضائياتنا، لحصلوا على ذخيرة لا تقدر بثمن من خلال كثافة التغطيات للأحداث الدائمة والمفاجئة.. العادية والمثيرة.
إلا أن أكثر ما أبدعت فيه الفضائيات العربية هو التغطية لتطورات حادث اختطاف الطائرة المصرية بتحويل مسارها إلى المطار التاريخي، الذي تخصص في مرحلة ما في استقبال الطائرات المختطفة، ذلك في زمن الإرهاب الخفيف، أي قبل عقود من تفشي ظاهرة الإرهاب الثقيل.
أبطال رواية الطائرة ليسوا طاقمها وركابها، ولا حتى المختطف، فكل هؤلاء، ومعهم أطقم المفاوضات السرية، صاروا ثانويين في المشهد، أما الأساسيون فهم من عينتهم الفضائيات العربية خبراء، وفق تصنيفات المذيعين والمراسلين، الذين يتعين عليهم ملء الفراغ الناجم عن قلة المعلومات باستنطاق أُناسٍ يطلقون عليهم لقب الخبراء في شؤون مكافحة الإرهاب مع أنهم لو كانوا خبراء حقيقيين لأجهزوا على الإرهاب في مهده. ويستعان إلى جانب هؤلاء بمن يخلع عليهم المذيعون صفة الخبراء الاستراتيجيين، وخبراء الطيران المدني، والخبراء النفسيين، وخبراء يعرفون كل شيء بما في ذلك رسم السيناريوهات وخلاصاتها، ولا يهم لو ظهر بعد دقائق أن خلاصاتهم هي ضرب من الخيال، وأن ما شرحوه وعلقوا عليه لا صلة له بالواقع، بدءًا باسم الفاعل، وجنسيات الركاب، وعددهم. ولو دققنا في ما تحدث عنه هؤلاء الخبراء وقارناه بما تبين من معلومات حقيقية لوجدنا أن الضائع الوحيد في عشرات السيناريوهات التي قدمت هو الحقيقة، لا غيرها.
وهناك أمر لفت نظري وأنا أتابع، مثل سائر خلق الله الأبرياء، المعالجات الفضائية للطائرة الجاثمة على أرض مطار لارنكا، هو أن هناك نوعًا من التوظيف السياسي حتى للأوهام، فما إن ورد اسم إسطنبول حتى دخلت سياسات تركيا إلى سيناريوهات الخبراء، وما إن انطلقت شائعة أن المختطف يحمل الجنسية الأميركية حتى جرى الحديث عن الفوضى الخلاقة، وما إن طرح سؤال «مَن يا ترى وراء هذه العملية؟» حتى اقترح الخبراء عدة جهات محلية وإقليمية وعالمية، وحين سُئل الخبراء عن الهدف من ورائها ركبوا إجابات تبدأ باستئناف مسيرة الإرهاب الجوي ولم يكتفوا باستنتاج أن هدف هذه العملية بالتحديد هو التشويش على التعافي المصري من مأساة شرم الشيخ.
ما النتيجة الأولية والتلقائية لكل هذا المطر الفضائي وخزّان السيناريوهات المتخيلة والذي لا يفرغ؟
النتيجة محليًا هي الذعر من مجرد رؤية طائرة في مطار محلي أو دولي أو حتى في السماء، والنتيجة الإقليمية... توفر مادة خصبة للتخويف من المطارات المصرية من قبل المنافسين الذين يقولون: «تعالوا عندنا، فمطاراتنا وطائراتنا أكثر أمنًا».
أما النتيجة العالمية والتي يكرسها ويعمقها الجبن في مواجهة الإرهاب فهي نصائح من قبل أركان الجبهة المحاربة للإرهاب بأن «لا تزوروا مصر»، دون أن يقولوا إن هذه النصيحة هي أقصى ما يسعى إليه الإرهاب من وراء أنشطته.
كنت أدّعي أنني أملك خبرة في الإفلات من كمائن الفضائيات وخبرائها، إلا أن إرغامي وإرغام جميع أفراد أسرتي على التسمر أمام شاشة التلفزيون والتنقل من محطة إلى أخرى على مدى ساعات طويلة شككني في خبرتي، وضاعفت من إشفاقي على المواطنين العاديين الذين - وجرّاء التغطية الفضائية الملحّة - كانوا وهم ينظرون إلى الطائرة الرابضة على كل الشاشات يتخيلون مشهدًا فظيعًا يمكن أن يروه على الشاشة مباشرة، وهو انفجار الطائرة بمن فيها، فهذا هو التوقع البديهي حين يكون الحزام الناسف أحد أبطال المشهد.
نحمد الله أن الذي وقع هو نصف المأساة بفعل أن الحزام كان مزورًا.