خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

لغة العيون

نحن نفهم من لغة العيون، لغة الحب والغرام. فهكذا قال شاعرنا:
وتعطلت لغة الكلام وخاطبت
عيني في لغة الهوى عيناك
والفكرة تتردد في الكثير من أشعارنا وفولكلورنا الشعبي. فهكذا قال الشاعر البحريني الشعبي: شنهو اللي جنّن المجنون غير العيون، في إشارة إلى مجنون ليلى. وفي ليلى المريضة في العراق قال شاعر آخر:
عيناك والثغر ثالوث أقدسه
لو كان يجمع بين توحيد وتثليث
إشارة إلى ثلاثية الإيمان المسيحي ووحدانية الإيمان الإسلامي. ولي تجربتي الشخصية في الموضوع. فهكذا بدأت علاقتي مع زوجتي أم نائل. كنا في حفلة رقص جامعية، ورأيت سهام عينيها تتجه نحوي من الجانب الآخر، فلم أتمالك غير أن أعبر القاعة باتجاه السهام نحو صاحبة المصدر. فطلبت مراقصتها وبها بدأت تلك المسيرة الطويلة التي لما تنته.
نحن نصف معظم الأشياء الجميلة والمفيدة بالعين والعيون. عيون الأدب وعيون العلوم. ونصف مصدر الماء بالعين، ونخاطب من نوده بقولنا «يا عيني». حتى أصبحت الكلمة دورًا من أدوار الموشحات العربية المغناة:

الغصن إذا رآك مقبل سجدا... يا عيني
والعين إذا رأتك تخشى الرمدا... يا عيني
يا من بوصاله يداوي الكبدا... يا عيني!

ما تفعله اليوم تلقاه غدا... يا عيني
لم ألاحظ مثل هذا الاهتمام بالعين في الأدب الغربي. وربما يعود ذلك لخفة ألوان أعينهم، رصاصية أو رمادية أو زرقاء باهتة. وأين ذلك من سواد عيون بناتنا عندما تطلق سهامها. و«سواد عينك» اصطلاح ومفهوم اجتماعي مهم عندنا، كثيرًا ما يقسم به بعض الناس.
ويظهر أن سحر العيون ونظرات العيون لم تقتصر على بني البشر فقط. تشاركهم في ذلك حتى الحيوانات وبصورة خاصة الأفعى. فمن المعروف أن الأفعى عندما تصادف عصفورًا تطمع في أكله، لا تهجم عليه وتلدغه بل تصوب نظراتها نحوه، فما إن ير عينيها حتى يتخشب ويفقد الإرادة للحركة فتزحف نحوه محدقة عليه بعينيها وتبتلعه، فيدخل في أحشائها وهو حي فاقد الحركة. لاحظ الإغريق سحر العيون هذا فرووا عنه في أساطيرهم كيف أن المخلوقة الأسطورية غورغون تعتمد على عينيها في قوتها. فحالما تنظر لإنسان يتحول إلى حجر. وهو ما كان يولسيس على علم به، فعندما عزم على منازلتها شد عينيه لئلا تقع على عينيها فيتحجر. وهكذا انتصر عليها. ولهذا الكلام بقية.