نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

حملة انتخابية دائمة ولا انتخابات

في النظام الأميركي هنالك برمجة دقيقة للانتخابات على مختلف أشكالها، من النيابية حتى الرئاسية، ولو وقع في أميركا ومحيطها ومستعمراتها المنتشرة في جميع أرجاء العالم، مائة زلزال فذلك لن يغير من المواعيد شيئًا، ولن تجد في هذه الدولة العملاقة من يقترح تأجيلاً أو تغييرًا، ولو طفيفًا في القوانين.
ويقابل هذه الحالة الأميركية حالة فلسطينية، قانونها الثابت هو الاستثناء، وتوقيتاتها من النوع الذي لا يلتزم به ولو لمرة واحدة منذ أن كان هنالك انتخابات نقابية أو تشريعية أو رئاسية، إلا أن اللافت في أمر الانتخابات الفلسطينية أن الحملات التي تسبقها تستمر بلا توقف، والمرشحون للرئاسة يعملون بلا هوادة، سواء كان هنالك انتخابات أم لم يكن.
وفي أيامنا هذه تجري حملات انتخابية على الطريقة الفلسطينية عنوانها المباشر «حرب خلافة عباس».
ولأن مواسم الانتخابات هي مواسم حمى، فإن الهلوسة فيها أقوى مفعولا من العقلانية، والأوهام فيها أكثر حضورًا من الحقائق.
إن السباق الانتخابي الفلسطيني الذي لا يتوقف ولا يهدأ مجاله المستمر هو استطلاعات الرأي، وأحيانًا تسريبات الصحافة الإسرائيلية، وحين تتحد الاستطلاعات مع التسريبات، ينقسم الطامحون للرئاسة إلى قسمين؛ الأول من يحصلون على نسب معينة في الاستطلاعات وعددهم لا يزيد غالبًا عن خمسة أو ستة أشخاص، ومائة ضعف هذا العدد يفكر في الرئاسة ويفتش عن سبيل يذكر فيه اسمه ولو في ذيل القائمة.
وهكذا هو الحال منذ ترشحت سميحة خليل في مواجهة عرفات، وترشح فلسطيني يقيم في أميركا في مواجهة محمود عباس، وعلى مدى عشرين عامًا وأكثر قليلاً، هي عمر رئاستي عرفات وعباس، لم تتوقف بورصة الأسماء عن العمل، ولم تتوقف الصحافة الإسرائيلية عن التسريب، ولم تحذف مؤسسات استطلاع الرأي سؤالاً من الرئيس ولو لمرة واحدة، وهذا أمر لا يحدث إلا عند الفلسطينيين، مع أنهم أكثر شعوب الأرض معرفة ببدايات الرؤساء ونهاياتهم منذ الحاج أمين الحسيني الذي كان يُهتف باسمه «سيف الدين الحاج أمين»، ومرورًا بأحمد الشقيري صاحب الخطاب الناري الذي لم تتسع له المنطقة بأسرها، ثم يحيى حمودة الذي حفظ الموقع لياسر عرفات والكل يعرف كيف «استشهد»، وأخيرًا أبو مازن الذي صنع أوسلو وها هو يشهد نهايتها.
وكارثة موقع الرئيس الفلسطيني أن حدود ممارسته للرئاسة أضيق بكثير من تخيل الرئاسة في مرحلة السعي والترشح، فضلاً عن أن الناخب الفلسطيني الذي يقرر ساعة وضع الأوراق في الصناديق أو ساعة سؤاله في الاستطلاع، فإنه يصوت حسب المزاج اللحظي، وتصويت كهذا لا يؤتمن جانبه على المدى الطويل.
آخر استطلاع للرأي نُشر في الصحافة الفلسطينية أظهر كم هو المزاج الفلسطيني حاد ومفاجئ ويمكن القول إنه خطر، فالـ66 في المائة الذين صوتوا لمحمود عباس قبل إحدى عشرة سنة يصوتون ضده بنفس النسبة في آخر استطلاع.
والغريب أن الاستطلاع ذاته يعطي لإسماعيل هنية أفضلية عليه ولو بنسبة واحد في المائة، دون ذكر سبب هذا التفوق غير المبرر منطقيًا، وإذا ما جرت الانتخابات الرئاسية بين مروان البرغوثي الأسير المؤبد وبين إسماعيل هنية المحاصر المؤبد، فإن الفوز الأكيد سيكون للأسير على حساب المحاصر.
كثيرون سوف يقرأون هذا الاستطلاع، ويتعاملون معه كمحفز لتعديل النسب بين الأوائل، ودخول القائمة من بين الذين لم ترد أسماؤهم.
لا أحد يعرف هل هنالك انتخابات على أي مستوى وفي أي وقت، إلا أن الجميع يتابع حملات لم ولن تتوقف، والمتابعة هنا هي من قبيل الفضول لا أكثر ولا أقل.
ولأن الكوميديا الأكثر إثارة تُشتق غالبًا من التراجيديا الأكثر حزنًا ومأساوية، فإن ما يجري في فلسطين على هذا الصعيد يصدق عليه الوصف «حملة انتخابية دائمة ولا انتخابات».