عثمان ميرغني
كاتب وصحافيّ سوداني، نائب رئيس التحرير السابق لصحيفة «الشرق الأوسط». عمل في عدد من الصحف والمجلات العربية في لندن. متخصص في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية ومهتم بقضايا الاقتصاد العالمي والمناخ والبيئة.
TT

«ظاهرة ترامب».. هل يجب أن تقلقنا؟

قبل ستة أشهر فقط كان كثيرون يعتبرون دونالد ترامب، الملياردير الأميركي الذي يتنافس للفوز بفرصة الترشح عن الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة، مجرد مهرج مسلٍ، وشخصية غوغائية لا حظوظ لها في الفوز، خصوصًا في ظل مواقفه العنصرية وتصريحاته الاستفزازية عن النساء والسود والمكسيكيين والمهاجرين، وبالطبع عن المسلمين. لكن الرجل فاجأ مؤيديه وخصومه معًا وحقق سلسلة من الانتصارات في السباق التمهيدي لانتخابات الرئاسة جعلته يتقدم منافسيه في الحزب الجمهوري.
اليوم بدأ الناس، أو العقلاء منهم، ينظرون إليه باعتباره خطرًا جديًا ليس على الحزب الجمهوري فحسب، بل على أميركا ذاتها. فالرجل يتبنى مواقف متطرفة، وسياسات مثيرة للانقسام، وخطابًا تحريضيًا مثيرًا للكراهية. الأدهى من ذلك أن مواقفه متقلبة حسب التيار، يطرحها أحيانًا من دون تفكير ويتبناها ما دامت تستقطب الأضواء، وتثير الجدل، وتجلب المؤيدين، وتستفز الخصوم. لكن تقدمه المستمر على منافسيه في الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشح الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، يجعل من الصعب اعتباره مجرد ظاهرة صوتية ستتلاشى بعد أن يمل الناس من خطابها الفارغ. فهو في الواقع سياسي غوغائي خطير، برز في لحظة مواتية، يشعر فيها الناس بالسأم والغضب من الطبقة السياسية التقليدية، ويبحثون عن التغيير وعن خطاب مختلف. لهذا السبب أيضًا، أي البحث عن خطاب جديد مختلف عن الساسة التقليديين، التف كثير من الناس حول بيرني ساندرز المنافس لهيلاري كلينتون في سباق الحزب الديمقراطي، فهو يطرح خطابًا مختلفًا عن العدالة الاجتماعية ويتبنى سياسات لإحداث ما يصفه بأنه ثورة من أجل التغيير. صحيح أن الفارق كبير بين شخصيتي ترامب وساندرز، وصحيح أيضًا أن ساندرز ما يزال متأخرًا في الترتيب عن كلينتون، لكن الرسالة واضحة وهي أن الناخبين في أميركا مثلهم مثل كثير من الدول الأخرى يبحثون عن التغيير، ويشعرون بالسخط على الطبقة السياسية التقليدية.
المشكلة أن الساحة الانتخابية الأميركية خالية حتى الآن من مرشح عقلاني يملك قدرات استقطابية ويتبنى سياسات جريئة للتغيير تكون قريبة من نبض الشارع، بحيث يسحب البساط من تحت أقدام ترامب. في ظل هذا الوضع يراهن كثيرون في أميركا، أو فلنقل يأملون، في ظهور شخصية تخطف الأضواء من ترامب، أو على الأقل في نجاح الإعلام والمنافسين في هز صورته وإظهار خطره لتحويل الرأي العام لمصلحة مرشح آخر سواء في الوقت المتبقي أمام اختيار مرشحي الأحزاب في الصيف المقبل، أو في أسوأ الأحوال عندما تبدأ المعركة الحاسمة بين المرشحين النهائيين للرئاسة في بداية الخريف.
هل يجب أن نقلق من «ظاهرة ترامب»؟
بالتأكيد؛ فاختيار الرئيس الأميركي يهم العالم كله لمكانة أميركا والدور الذي تلعبه على الساحة الدولية، وتأثير سياساتها سلبًا أو إيجابًا على مجرى الأمور خصوصًا في وقت اضطربت فيه الموازين، وعادت أجواء الحرب الباردة، واحتدم السباق بين القوى الكبرى المتنافسة، بينما يبدو العالم مهددًا بأزمات اقتصادية وسياسية تلوح في الأفق. في مثل هذه الأجواء سيكون فوز ترامب، لو حدث، كارثة حقيقية لما تشكله سياساته من خطر. فالرجل يتبنى آراء جانحة حيال كثير من القضايا، ويعبر عن مواقفه بطريقة استفزازية حتى لو كان بعض هذه المواقف لا يختلف في جوهره عن سياسات مارستها أميركا في السابق لحماية مصالحها. فهو يؤمن بما يصفه «سياسة القبضتين» على طريقة ملاكمة الشوارع، ويعجب بشخصية فاشية مثل موسوليني، ويرى أن الكل يتحايل لنهب أميركا بما في ذلك حلفاؤها! وفي إطار نظرته لفرض القوة الأميركية لا يحسب أي حساب لمدى استخدام القوة العسكرية إذا فشلت سياسة المقايضة والمساومة التي يقول إنه يجيدها كرجل أعمال. فليس بعيدًا عن الذاكرة قوله إنه يجب مواجهة «مجنون كوريا الشمالية بالقنابل النووية»، أو قوله إنه مستعد لإرسال القوات الأميركية للسيطرة على النفط.
من آرائه المعروفة التي أثارت جدلاً واسعًا دعوته لبناء جدار على الحدود مع المكسيك، ووصفه للمهاجرين المكسيكيين بأنهم يجلبون الجرائم والمخدرات وهم مغتصبون. كذلك دعوته لحظر دخول المسلمين إلى أميركا، وعدم استبعاده لفكرة مراقبة كل مسلمي أميركا. وفي سجل مواقفه أنه طالب ذات مرة بأخذ نفط تعادل قيمته تريليون ونصف التريليون من العراق تعويضًا عن خسائر الأرواح الأميركية. ولم يتوانَ أيضًا عن الدعوة لإغلاق شبكة الإنترنت أو لقصف آبار النفط العراقية في إطار الحرب على «داعش»، ولم يتورع عن وصف اللاجئين السوريين بحصان طروادة الذي يشكل خطرًا على أمن أميركا، داعيًا إلى عدم استقبالهم.
ترامب شخصية غوغائية بامتياز، وصفه منافسه السيناتور ماركو روبيو بأنه «محتال محترف» يجب وقفه، وقال عنه آخرون إنه فاشي يريد قيادة أميركا في سكة خطرة. وإذا فاز فلن يكون العالم في مأمن.. من «ظاهرة ترامب» وتبعاتها.