خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

حاذر من الرقم الثالث عشر

أصبح التشاؤم من العدد 13 تقليدًا عالميًا اقتبسناه نحن أيضًا من أوروبا المسيحية، فالمسيحيون يتشاءمون منه، لارتباطه بمجموع الحاضرين للعشاء الأخير للسيد المسيح عليه السلام. سرعان ما ارتبط الرقم بكثير من التراث الغربي الهازل والجاد.
قالوا إن حريقًا شب في إحدى البنايات، وشاهد رجل زوجته تصرخ وتستغيث من إحدى النوافذ فصرخ بها: «اقفزي من النافذة ونحن نتلقاكِ»، فأجابته: «كيف ألقي بنفسي؟ أنا هنا في الطابق الثالث عشر»! فصرخ بها: «لا تكوني حمقاء! ألقي بنفسك. فهذا ليس وقتًا للتشاؤم والخرافات».
نسج الأوروبيون حول هذه الفكرة كثيرًا من التقاليد والحكايات والمعتقدات. من أطرف ذلك أنهم دأبوا في الفندق الأرستقراطي الشهير «سافوي هوتيل» في لندن الذي لا يبعد عن مكتب «الشرق الأوسط» أكثر من مائتي متر (يا ساتر!)، على الاحتفاظ بقطة مدللة. كلما كان عدد الضيوف على مائدة معينة 13 ضيفًا أضافوا كرسيًا آخر لتصبح المائدة 14 كرسيًا، يجلسون القطة على الكرسي الثالث عشر، ويجلسون الضيف الثالث عشر على الكرسي الرابع عشر.
وزيادة في الحرص والاحتياط ضد أي مكروه، يخدم الخدم هذه القطة كما لو كانت بالفعل ضيفًا من ضيوف الحفلة المهابين. يملأون قدحها بالشراب، ويقدمون لها المقبلات ثم الشوربة فطبق السمك ثم طبق اللحم ويختمون عشاءها بالجبن والحساء. يقف وراءها نادل مكلف بخدمتها. وبالطبع يدفع صاغرًا صاحب الوليمة عن 14 ضيفًا.
اكتشفت هذا بعد سنوات بعد أن وقع أحد الأغنياء العرب في هذا المقلب فقلت له: في المرة القادمة إذا وجدت عددكم 13 شخصًا فاعمل معروفًا لأحد الشعراء أو الفنانين العرب المشردين هنا في لندن، وأكمل به العدد 14، وأجلسه على الكرسي 13 المشؤوم بدلاً من القطة. إذا حصل له مكروه وغص بالأكل ومات فلا ضير في ذلك، بل سيفرح بقية الشعراء والفنانين بما وقع، فما من شيء يطيب لهم أكثر من هلاك أحد زملائهم. ربما ستنتظره القطة لتهجم عليه وتشبعه عضًا على أخذ مكانها من الوليمة.
يتشاءم الأوروبيون حتى من الخروج من البيت في يوم الجمعة إذا صادف تاريخها 13 من الشهر. أما الزواج في مثل هذا اليوم فأعوذ بالله. وأعرف كثيرين من الإنجليز الذين ألغوا موعد الحجز لعملية جراحية مهمة في المستشفى، لأن تاريخها صادف يوم 13 من الشهر.
والطريف في الأمر أن المنظمة البريطانية الـ«إيه إيه» لمساعدة السيارات المعطلة ذكرت، في أحد تقاريرها، أنها تتلقى في أيام الجمعة المصادفة 13 من الشهر نداءات مساعدة أكثر من بقية الأيام بنسبة 20 في المائة، وأبدت ذلك إحدى شركات التأمين بقولها إنها تتلقى طلبات تعويض عن حوادث تقع في مثل ذلك اليوم بنسبة أعلى من بقية الأيام. وهذا مما يدل على أن السيارات البريطانية هي أيضًا تتشاءم من الرقم 13، وتؤمن بالخرافات وبأقوال الخرافيين أكثر مما يؤمن بذلك الناخبون العرب في أي انتخابات صحيحة أو مزورة بنسبة لا تقل عن 13 في المائة. وقد سمعت أخيرًا أن جمعيات الرفق بالحيوان قد احتجت قبل سنوات على فندق «سافوي» لإجلاس قطة على الكرسي الثالث عشر.